مارك ليونارد
ربما سينظر المؤرخون إلى الممثل الأمريكي اليك بولدوين على أنه أكثر حليف مفيد للرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ فتقليد بولدوين لترامب خلال البرنامج الكوميدي «عرض ليلة السبت المباشر» بشكل متكرر والذي تمت مشاهدته على نطاق واسع يجعل ترامب يبدو كأضحوكة مما يعمي خصوم الرئيس السياسيين عن خطورة أيديولوجيته.
بالطبع فإنه عادة ما يتم التهكم على السياسيين في جميع الأوقات ولكن بالنسبة لترامب هناك توجه بالفعل بعدم أخذ آرائه السياسية على محمل الجد. إن شكل سياساته- تغريدات مشوشة وأكاذيب صريحة وتصريحات عنصرية وغير متجانسة ومحاباة صريحة للاقارب- يعتبر غريباً وبغيضاً للطبقة البيروقراطية مما يؤثر سلباً على المضمون.
وحتى أولئك الذين يأخذون ترامب على محمل الجد فشلوا في تتبع أصل الحركة الترامبية؛ فالديمقراطيون يشعرون بالغضب الشديد بسبب تحيّزه ضد المرأة وكراهيته للأجانب إلى الحد الذي جعلهم يفشلون في فهم كيف يتواصل مع العديد من مناصريهم السابقين، وبالنسبة للجمهوريين التقليديين فهم حريصون جداً على وجود «جمهوري» في الحكم ويطبق السياسات التقليدية المحافظة- مثل إلغاء الضوابط التنظيمية والتخفيضات الضريبية- لدرجة أنهم يتجاهلون عناصر من برنامجه والتي تقلب آراءهم التقليدية رأساً على عقب.
إن جزءاً من المشكلة ربما يكون أن ترامب خرج من معظم الحوارات وهو يدعم سياسات تفضل القوة وإعطاء الزخم على التجانس والانتظام وهذا قد يتسبب في أن يصف المراقبون محاولات ترامب لترسيخ أساس أيديولوجي للحركة الترامبية مثل المجلة الجديدة لجوليوس كراين «شؤون أمريكية» على أنها محاولات متناقضة بشكل كبير، لكن حقيقة أن ترامب ليس أيديولوجياً متزمتاً لا يعني ألا يكون هو جسر التواصل مع أيديولوجية جديدة.
لقد استوعبت المؤسسة السياسية البريطانية هذا الدرس بعد صعوبات فلسنوات عديدة كان المحافظون والليبراليون على حد سواء يقللون من شأن الحركة الثاتشرية ولكنهم فشلوا في استيعاب أن من يقف خلف شعر ثاتشر الأشقر وصوتها الحاد كانت سياسات ثورية عكست تسارع التغيّرات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية. لم تكن ثاتشر فيلسوفة وهذا الكلام ينطبق على ترامب كذلك ولكنها لم تحتاج لأن تكون فيلسوفة؛ فلقد كان يتوجب عليها فقط اجتذاب أشخاص قادرين على صقل الأيديولوجية وبرنامج السياسات والذي سيحمل اسمها في نهاية المطاف وهذا بالضبط ما فعلته.
ما عدا هؤلاء الأيديولوجيين فلقد كان أول من استوعب أهمية المشروع السياسي لثاتشر هم أولئك الذين ينتمون لأقصى اليسار: لقد اخترعت مجلة الماركسية اليوم مصطلح الثاتشرية سنة 1979. لقد رأت الشخصيات اليسارية ما عجزت الأحزاب السياسية الرئيسية عن رؤيته وهو تحدي ثاتشر الأساسي للهياكل الاقتصادية والاجتماعية والتي كانت مقبولة على نطاق واسع منذ الحرب العالمية الثانية.
إن مدير تحرير تلك المجلة مارتن جاك والذي حاول كما حاول آخرون أن يقدّم فهماً نظرياً للحركة الثاتشرية شرح لي مؤخراً لماذا عادة ما يتم تجاهل أهمية تلك الحركة، فقال: «إن التحليل السياسي في ذلك الوقت كان إحصائياً ومؤسساتياً لدرجة كبيرة إذ كان التركيز على أداء الأحزاب السياسية مما يعني أنه فشل في معرفة التغيّرات العميقة ضمن المجتمع».
هناك تشابه كبير بين أواخر سنة 1979 والحاضر، فكما أدركت ثاتشر تزايد الاستياء من النظام القديم وعملت على تطبيق الأفكار التي كانت موجودة على الهامش، أدرك ترامب كذلك حالة الغضب والقلب لقطاعات كبيرة من الطبقة العاملة والذي ضاقوا ذرعاً بالأنظمة المترسخة منذ أمد بعيد.
ومثل ثاتشر قام ترامب بجذب أيديولوجيين متزمتين مستعدين وراغبين بأن يقوموا بتعريف الحركة الترامبية له ويقف في قلب تلك الحركة ستيفن بانون الرئيس التنفيذي السابق لبريتبارت نيوز وهي المفضلة للقوميين المتشددين العنصريين من أقصى اليمين، علماً أن بانون يعمل حالياً ككبير إستراتيجيي ترامب.
لقد قام بانون بتعريف الحركة الترامبية أثناء خطاب ألقاه في مؤتمر الحركة السياسية المحافظة على ضوء الأمن القومي والسيادة والوطنية الاقتصادية وتفكيك الدولة الإدارية، إذ قال: «نحن شعب لديه اقتصاد وليس اقتصاداً في بعض الأسواق العالمية التي لديها حدود مفتوحة فقط».
إن هذا يعكس صراعاً أساسياً بين الحركة الثاتشرية والحركة الترامبية؛ فالأخيرة تهدف إلى القضاء على الإجماع الليبرالي الجديد المتعلق بالأسواق التي تفتقر للتنظيم والخصخصة والتجارة الحرة والهجرة وهي العناصر التي شكلت الحركة الثاتشرية ولكن حتى لو اختلفت الإفكار فإن التكتيكات تبقى متشابهة.
وحتى تعزز الدعم الذي تحظى به كانت ثاتشر تواجه بشكل مباشر أعداء يتم اختيارهم بعناية وذلك من عمال المناجم البريطانيين والرئيس الأرجنتيني الجنرال ليوبولدو جالتيري إلى البيروقراطيين في بروكسل وبالمثل، وكما أخبرني كريج كينيدي من معهد هودسون مؤخراً «يرغب بانون في أن يجعل الليبراليين المعادين لترامب أكثر راديكالية ويدفعهم للدفاع عن قضايا تجعل المجتمع الأمريكي التقليدي ينفر منهم»، ففي كل مرة يتظاهر خصوم ترامب من أجل حقوق النساء أو المسلمين أو حقوق الأقليات الجنسية فإنهم يعززون قاعدة الدعم الرئيسية لترامب.
يجادل جاك أن فشل حزب العمال البريطاني في استيعاب فكرة الحركة الثاتشرية هو السبب الرئيسي لبقائه خارج السلطة لحوالي عقدين من الزمان تقريباً وهو يعتقد أن رئيس الوزراء توني بلير كان أول زعيم يدرك حقيقة الحركة الثاتشرية وهي أيديولوجية جديدة قلبت على عقب القواعد والاقتراضات الراسخة ولكن يؤكد جاك أن بلير تأقلم فقط مع الأيديولوجية الجديدة عوضاً عن محاولة تغييرها.
إن هذا لا يبشر بالخير لمعارضي ترامب والذين ما زالوا بعيدين عن الإقرار بالأبعاد الأيديولوجية لرئاسته فذهنهم ما زال مشتتاً بسبب افتقاد ترامب الواضح للمهارات القيادية وحتى القدرة العقلية- والتي من المؤكد لا يمكن مقارنتها بالمهارات التي أظهرتها ثاتشر- لدرجة أنهم فشلوا في استيعاب عمق الانقسامات ومشاعر القلق التي كشف عنها ترامب.
ربما من المريح أن نصف ترامب بالغبي أو الضحك على تغريداته التي تعاني من أخطاء إملائية وربطة عنقه المثبتة برباط لاصق ولكن أبعاد وآثار رئاسته خطيرة ولو فشل معارضو ترامب التقدميون في الانخراط بشكل جدي مع القوى التي عكسها وعززها انتصار ترامب- وخاصة ردة الفعل العكسية ضد الليبرالية الجديدة- فحتى عزل الرئيس لن يكون كافياً لإرجاع الجني الترامبي إلى القمقم.
مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.