جوع.. وضرب جموع..

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٥/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:٤٥ ص
جوع.. وضرب جموع..

لميس ضيف
lameesdhaif@gmail.com

مثل شعبي خليجي يُقال عندما تأتي شدّة فوق الشدة، وتجثو الأزمة فوق الأزمة، فيغدو من فيها متخبطاً محتاراً أين يُولي وجهه. ذاك جزئياً مصداق من يفقدون عزيزاً وهم يعانون من ضيق اليد. فتتحول مواساة الناس لهم هماً إضافياً، لما تحمله من أعباء مادية وحرج من القصور في الوفاء بها.

إحداهن قالت لي ذات مرةً:
والدي شرطي متقاعد ومشلول ولديه 3 قصّر في عهدته خلاف من تزوج وترك البيت. توفي بعد عناء ووصلنا وأخوتي لمرحلة نُقاسي معها لتوفير الشاي والماء لجموع المعزين!
وأمام دهشتي أردفت: رغم مرور زهاء الشهر على وفاته ما زال الناس يتوافدون علينا، وإن حلّ وقت العشاء وجب علينا واجب تقديمه للحاضرين! وعلينا توفير الغداء لمن لازمنا في وقته. وتغدو المشكلة أكثر شخوصاً مع الأقارب القادمين من فجّ بعيد كصحار أو الباطنة. إذ يبيتون الليلة في منزلنا المتواضع للانطلاق في اليوم الذي يليه. وقد أُنهكنا مادياً وجسدياً من جراء هذه الزيارات التي لا يبدو أنها ستنقطع في الأمد المنظور. فلا زال الخبر ينتشر بين أهلنا ومعارفنا المتناثرين بين البلدان ولا زالوا يتوافدون علينا، وبعض جارات الوالدة يأتين -يومياً- لمجالستنا في العزاء.. !!
ولا يبدو أن المشكلة تقتصر على المُعسرين فحسب بل وتطال الموسرين أيضاً. ذات مرة قصدت مجلساً لتقديم واجب العزاء فالتبس عليَّ الأمر للوهلة الأولى وظننت أني في حفل استقبال ما!
كان هناك بوفية مصغر مكتظ بأطباق الحلويات والمعجنات والخفائف. فضلاً عن نادلات يبدو أنهن من شركة متخصصة ولسن من خدم المنازل يلبسن زياً موحداً ويطفن بلباقة، كل 5 دقائق، بنوع مختلف من المشروبات الساخنة والباردة!
ورغم أن علامات الحزن كانت تبدو على بعض الأخوات إلا أن بعضهن كن مشغولات بضيافة المعزيات لدرجة لم يبد عليهن فيها التأثر. ولأن الأجواء «رائقة» جداً تبسطت بعض المعزيات في الجلسة وغرقن في الأحاديث والضحكات فخرجت روح العزاء من المجلس! وعندما هممت بالمغادرة قالت لي أحداهن: «انتظري فالعشاء سيقدم بعد قليل» فدُهشت، إذ يبدو أن أصحاب العزاء قدروا أن كل ما يقدمونه لم يكن كافياً لإشباع الحاضرات!
العزاء ثلاثة أيام معلومات. ومن فاتته فرصة المشاركة قادر على تقديم التعزية هاتفياً ويجب أن لا يجد حرجاً في ذلك. وعلى الناس أن تتخلى اليوم على عادات الماضي التي عفا عليها الزمن وأصبحت عبئاً على الطرفين. لا الأوضاع الاقتصادية تسمح ولا طاحونة الحياة تمنح مساحة لتلك العادات.. ولا داعي لتحويل مجالس العزاء لمسارح تنافس في الضيافة. ولا متنفس لمن لا برامج اجتماعية له. فالمُصاب يحتاج من ذوي المفقودين أن يستوعبوه في وقته لا بعد أن تنتهي مهرجانات الزيارات.

ارحموا الناس.. وارحموا أنفسكم..

هذا كل ما نقول..