علي بن راشد المطاعني
ali.matani@hotmail.com
إذا ما أجريت مسوحات للموظفين العاملين في الوحدات الحكومية والشركات أيام وساعات الدوام الرسمي، سنجد أن بعضهم لا كلهم غارقون حتى الثمالة في بحور الواتساب المتلاطمة أمواجها يتسامرون كالأسماك تحت الماء مع زملائهم وأصدقائهم وأهليهم ويتناقلون الإشاعات في رشاقة ومسرة من هنا وإلى هناك وإلى أقصى أعماق البحار ثم إلى عنان السماء، ويستمر السمر الجميل حتى انتهاء ساعات الدوام وبمحصلة فاعلية صفر والحمد لله.
المراجع المسكين والمغلوب على أمره عندما يتوجه لأي جهة حكومية أو شركة خدمة عامة، سيجد الحال كما هو الحال وعندما يسأل الموظف في براءة وعفوية عن معاملته يرد عليه وهو لا يزال أسير شاشة هاتفه بإجابات لا تسمن ولا تغني عن جوع.
البعض منهم يزعم بأنه قد لبى بالفعل طلب المراجع الكريم وذهب حبا وكرامة في العمل ورح العمل وقدسية الواجب ذهب للبحث عن المعاملة، غير أنه يأتي بعد وقت طويل يمشي الهوينا وهو يقرأ ماشيا مراسلات الأصدقاء والمعارف والبسمات والضحكات لا تفارق شفتيه.
وهكذا وبهذا النحو تمضي الأمور في ساعات الدوام الرسمي، بغير اكتراث بأحقية أخرى أكثر إيلاما وهي أن الموظف قد عذب الكثير من خلق الله، وأن الكثير من الأكف قد ارتفعت لعنان السماء شاكية له هذا الذي ظلمهم وأضاع وقتهم ونهاراتهم سدى، وفي محصلة الفاعلية نجد أن الوطن الذي نتغنى بحبه قد خسر الكثير، وإن الحب المزعوم قد طعن الوطن في ظهره لا ليلا بل نهارا وجهرة.
لا نختلف على أهمية مواقع التواصل الاجتماعية وما أحدثته من ثورة في المعلومات وما اختصرته من وقت وجهد علينا جميعا، إلا أن سوء استخدامها في المكان الخطأ وفي الزمان الخطأ يعد أمرا بالغ الخطورة على مستقبل الوطن وعلى اقتصاده وعلى دوران عجلة التنمية فيه، وهو ما يدعو على نحو جدي إلى إعادة النظر في هذا الأمر وفي ظل السلبيات الكبيرة والمتزايدة اضطراد في التعاطي معها في أوقات العمل، يجب أن نفعل ذلك بدون هوادة وبدون رحمة وبدون مجاملة، فالقضية هي قضية أن يكون الوطن أو لا يكون هكذا بوضوح.
إن مواقع التواصل الاجتماعي وبحساباتها المتعددة وعوالمها الافتراضية المتجددة كل يوم أضحت تمثل كارثة اجتماعية واقتصادية إن لم نستفد منها بالطرق الصحيحة، بعد أن سمحنا لها أن تشكل سلوكياتنا في عملنا ومطعمنا وجلساتنا وحواراتنا وفي غدونا ورواحنا بل وحتى غدت ملهاة خطيرة ووخيمة العواقب إذ هي قد سرقت الانتباه واليقظة من قلوب وعقول قائدي المركبات وهم نحن بطبيعة الحال، ولكن سيطرتها على أوقات العمل وانعكاساته على المراجعين مسألة يجب أن يعاد النظر فيها بشكل جذري وبما يحقق استتباب الأمر لقوانين العمل وتشريعاته ولقدسيته ومقدساته أيضا، ولعل المراجع أو المستفيد أولى بالوقت الذي يقضيه الموظف في ضيافة هاتفه، فهل من مجيب؟ فهل من حلول ومقترحات لهذه المعضلة الفتاكة بكل المقاييس؟
هناك بعض الحلول والمقترحات نسهم بها ابتغاء مصلحة الوطن والمواطن في آن معا لهذا الداء الذي استفحل، منها تقييم أداء وفاعلية العاملين وتفعيل الرقابة الإدارية عبر الاستعانة بالكاميرات واستطلاع آراء المراجعين وتقنين الولوج للشبكة العنكبوتية فضلا عن المزيد مما تراه الإدارات المختصة كفيلا بتحقيق الهدف النبيل.
صراحة نجد للأسف بعض المعلمين والمعلمات لا كلهم أو جلهم بالتأكيد مشغولون عن طلابهم وعن الدروس بالتواصل مع العالم الافتراضي، ونجد أطباء بعضهم لا كلهم أيضا وقد ابتعدوا عن أنين مرضاهم على حساب هذا الشيء، وهكذا في الكثير من المهن..
هناك بعض الجهات الاعتبارية لا تســمح باستخدام النقال أثناء ساعات الدوام الرسمي، ووتيرة العمل غير متأثرة فيها، بل إن معدلات الإنتاجية عالية وجودة الخدمة راقية والصفاء الذهني حاضر ومتقد، والتركيز في أعلى مستوياته، وبالمنطق مستوى فاعلية العاملين في القمة.
هناك بالفعل فوائد ومكاسب من استخدام الواتساب أو توتير أو الفيس بوك وغيرها من مواقع التواصل، لجدواها ومفعولها السريع والأكيد في التواصل الفوري مع الجماهير والتفاعل مع قضايا وهموم المجتمع وحتى في مجــال التـرويج والتســـويق لها فاعلية لا تُنكر.
نأمل أن نحسن استخدام النقال في أوقات العمل وألا يغدو أداة معطلة لمصالح الناس، والعمل على تعزيز الجوانب الإيجابية في استخدام التطبيقات الحديثة، وإيجاد الآليات التي تضبط إيقاع استخدام مواقع التواصل الاجتماعية في أماكن العمل على نحو يسهم في تحسين بيئة الأعمال والارتقاء بالفاعلية والإنتاجية.