محمد محمود عثمان
mohmeedosman@yahoo.com
أكدت القمة العربية الأخيرة بالمملكة الهاشمية الأردنية على استمرار التشاور والتواصل من أجل اعتماد أفضل السبل وتبني البرامج العملية التي تمكننا من استعادة المبادرة في عالمنا العربي، والتقدم في الجهود المستهدفة لحل الأزمات وتحقيق التنمية المستدامة، وإيجاد الفرص وتكريس قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة والمساواة التي تعزز الهويات الوطنية الجامعة وتحمي الدولة الوطنية، وركيزة النظام الإقليمي العربي، وتحول دون التفكك والصراع أعراقا ومذاهب وطوائف، وتحمي بلادنا العربية أوطانا للأمن والاستنارة والإنجاز.
ذلك مع التأكيد على أن حماية العالم العربي من الأخطار التي تحدق به وإن بناء المستقبل الأفضل الذي تستحقه شعوبنا يستوجبان تعزيز العمل العربي المشترك المؤطر في آليات عمل منهجية مؤسساتية والمبني على طروحات واقعية عملية قادرة على معالجة الأزمات ووقف الانهيار، ووضع أمتنا على طريق صلبة نحو مستقبل آمن خال من القهر والخوف والحروب ويعمه السلام والأمل، وحقيقة لم أجد في الصياغات العربية أفضل من هذه الصياغة تعبيرا عن احتياجات أمتنا العربية، حيث جسدت الواقع الذي نعاني منه والمستقبل الذي نسعى إليه، خاصة في الوقت الراهن الذي يعيش فيه العرب حالتهم الأسوأ على مر العصور، ومنها الأزمات التي تتقوض فيها دولا أو تنهار، وتقتل منهم مئات الألوف وتشرد الملايين من أبناء أمتنا لاجئين ونازحين ومهجرين وانتشار غير مسبوق لعصابات إرهابية تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة بل وفي العالم، إلى جانب التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية الأخرى التي لم نتمكن من تحريكها من ركودها، التي لم تستطع جامعة الدول العربية معالجتها منذ إنشائها في أربعينات القرن الفائت وللآن، والتي ربما تسير بوطننا العربي باتجاه تجذير بيئات اليأس والإحباط والفوضى بين المواطنين، نتيجة لفشل جهود الجامعة العربية الجماعية في تحقيق أي تقدم على الأرض، في هذه الملفات التي إذا ظلت تسقط منا ولو سهوا ستقودنا إلى التخلف والضياع الذي يخطط له من قبل القوى العالمية الكبرى، لصالح إسرائيل الكبرى التي تعاند، بل وتتحدى قمة البحر الميت بالمملكة الأردنية الهاشمية، التي عرضت مصالحة تاريخية نظير العودة إلى حدود 1967، وفقا لما جسدته مبادرة السلام التي تبنتها جميع الدول العربية في قمة بيروت في العام 2002 ودعمتها منظمة التعاون الإسلامي، ولم تستجب لها إسرائيل حتى الآن، بل تصر على تدمر فرص السلام في المنطقة بالتسريع في بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ولكن إذا سلمنا بالفشل في الملف السياسي، فلماذا لم تحاول القمة تحريك الملف الاقتصادي الذي سقط من حسابات القمة، ويعد أولوية قصوى على أجندة القمة العربية، من خلال التعاون بين منظومتي الجامعة العربية والأمم المتحدة من الناحية الاقتصادية، والاهتمام بمشروع الأحزمة الخضراء في أقاليم الوطن العربي، للسيطرة على ملف الغذاء العربي، وإيجاد فرص جديدة للتمويل واستحداث طرق تمويلية مبتكرة لتمويل التنمية المستدامة في المنطقة العربية، وخاصة الدول التي تأثرت من أزمة التراجع الحاد في أسعار النفط في السنوات الأخيرة، بعد أن تراجعت معدلات النمو لتصل إلى 2.7 % في العام 2016، وفق تقديرات البنك الدولي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بسبب تزايد حدة التبعات التي تزايدت سلبا، على اقتصاديات الدول في الأعوام الفائتة، والتي كان من أهمها تباطؤ النمو العالمي وتدني أسعار النفط والحروب والنزاعات الإقليمية، وكذلك التركيز على عودة الاستثمارات العربية المهاجرة لدعم الاستثمار في الدول العربية، ولا سيما بعد انخفاض تدفق الاستثمارات الأجنبية للدول العربية، من 70 بليونا إلى 40 بليون دولار خلال الفترة من 2010 إلى 2015 بنسبة 43 %، ومن ثم تأثر القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسياحية والبيئية، وأصبحت معظم دول الجامعة العربية تعاني من نقص السيولة التي أدت في بعض الأقطار إلى توقف الخطط التنموية، وتعثر أو إغلاق الكثير من المصانع والشركات، مما دفعها إلى تسريح أعداد كبيرة من الأيدي العاملة المدربة من الوطنيين والوافدين، وتأثيرات ذلك السلبية على الدول المصدرة للأيدي العاملة، في ظل تراجع أداء التجارة الخارجية للدول العربية، بنسبة 1.7 % للعام 2016 متأثرة بتباطؤ النمو، بالتجارة العالمية تبعا لتقديرات منظمة التجارة العربية، والذي يعد المعدل الأقل في النمو منذ الأزمة المالية العالمية، وكذلك تراجع مستويات التجارة البينية العربية خلال الأعوام الفائتة والتي تعتبر دون مستوى الطموحات وفقا للإمكانات المتاحة عربيا، إذ إن نسبة التجارة البينية العربية، التي لم تصل إلى أقصى تقدير 10 % من إجمالي التجارة العربية.
فإذا كانت الظروف السلبية التي تمر بها المنطقة أثرت على جهود ومكتسبات التنمية في الدول العربية بعد أن عصفت الأزمات المتعاقبة بالاقتصاد العالمي، فإنه يقع على عاتق جامعة الدول العربية مسؤولية التوجه نحو الاقتصاد الإنتاجي والمعرفي وجذب الاستثمارات الإنتاجية لمواجه الأزمات، وتكثيف التكاتف العربي في ضوء المستجدات المحلية والإقليمية، واستغلال الفرص المتاحة للاقتصاديات العربية لاستكمال العمل المشترك نحو التكامل الاقتصادي، وإزالة معوقات التبادل التجاري والاستثماري، لتجنيب الاقتصاديات العربية المزيد من التراجع، حتى تستعيد الدول العربية مكانتها على الساحة الدولية.