منطقة اليورو ما زالت عُرضة للخطر

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٨/مارس/٢٠١٧ ٠٤:١٠ ص
منطقة اليورو ما زالت عُرضة للخطر

بينيديكتا مارزينوتو

على الرغم من التحسن الاقتصادي العام الذي شهدته منطقة اليورو مؤخراً، فإنها تظل هشة وغير مُؤَمَّنة ضد مخاطر اندلاع أزمة أخرى. وأحد الأسباب وراء هذا هو أنها لا تزال عُرضة لدورات الازدهار والركود غير المتماثلة.

ببساطة، في حين يستطيع جميع أعضاء منطقة اليورو أن يستفيدوا خلال الأوقات الطيبة، فإن بعض الدول الأعضاء تعاني أكثر من غيرها خلال فترات الركود. وهذا يعني أن المستثمرين الواعين لسلامتهم سوف يفرون من الدول الضعيفة مالياً إلى الدول القوية مالياً التي تتمتع بسجل جيد في توليد النمو الاقتصادي، كلما اندلعت أزمة.

عندما تنقلب الحسابات الاقتصادية، يصبح بوسعنا أن نشهد تجربة من يشعر وكأن أحداث الحاضر وقعت حتما في الماضي. ذلك أن مكسب كل دولة ينطوي بالضرورة على خسارة دولة أخرى، وهو ما من شأنه أن يقوض التعاون بين بلدان منطقة اليورو ويغذي التوترات السياسية. ومن المرجح أن يتردد صدى التأثيرات عبر السياسات المحلية لكل دولة، فتتعزز القوى التي تدعو إلى التفكك.

من المؤكد أن الإصلاحات التي جرى تنفيذها استجابة للأزمة الأخيرة عملت على تحسين الموقف على المستوى الكلي؛ ولكنها لم تحل مشكلة التفاوت الأساسي في منطقة اليورو. وتظل المواقف المالية الأساسية على اختلافها من بلد إلى آخر، على الرغم من كل الجهود المبذولة لتحقيق التقارب المالي من خلال قواعد تُفرَض من أعلى إلى أسفل.
على نحو مماثل، في السنوات الأخيرة، لم تقدم إصلاحات القطاع المالي في أوروبا، على الرغم من أهميتها، حلا وافيا للمشكلة. فقد أغلق الاتحاد المصرفي الأوروبي جزئيا الآن إحدى القنوات الرئيسية ــ البنوك المحلية ــ التي تراكم من خلالها الدين العام خلال الأزمة الأخيرة. كما نظم الإشراف المالي على مستوى الاتحاد الأوروبي، بدلا من تفويضه للسلطات الوطنية. وحلت مساهمة الدائنين في الخسائر محل عمليات الإنقاذ الحكومية، على الأقل عندما لا تهدد مساهمة الدائنين الاستقرار المالي. ولكن أيا من هذا لن يجنبنا الحاجة إلى عمليات إنقاذ عامة عندما تندلع الأزمة التالية، خشية أن تؤدي العدوى المالية إلى تضخيم ردة فعل السوق الأولية.
من ناحية أخرى، هناك حدود واضحة تقيد قدرة أدوات إدارة الأزمة الجديدة في أوروبا. فما دامت قدرة الإقراض لا تتجاوز 500 بليون يورو (535 بليون دولار أمريكي)، فمن المرجح أن تعجز آلية الاستقرار الأوروبي عن إحداث فارق كبير في الأزمة التالية. ويتلخص خيار بديل في تفعيل برنامج «المعاملات النقدية الصريحة» التابع للبنك المركزي الأوروبي، والذي بموجبه يشتري البنك المركزي الأوروبي سندات دول منطقة اليورو في أسواق ثانوية.
الواقع أن حتى جولة ثانية من برنامج البنك المركزي الأوروبي لشراء سندات القطاع العام لن تحل مشكلة عدم التوازن في أوروبا. ولأن البنك المركزي الأوروبي، جنبا إلى جنب مع البنوك المركزية الوطنية، يشتري سندات الحكومات بما يتناسب مع حصة كل دولة في رأس مال البنك المركزي الأوروبي، فإن برنامج شراء سندات القطاع العام من غير الممكن أن يمنح الدول الخاضعة للضغوط امتيازا خاصا.
الواقع أن الدول المثقلة بالديون تتسم بقدرتها المحدودة على ملاحقة سياسات التحفيز المالي الاستباقية. وكثيرا ما تُقَدَّم إعادة الهيكلة الرسمية للدين باعتبارها بديلا للأطر المالية فوق الوطنية والوطنية غير الفعّالة. وفي هذا السيناريو، يحل إشراف السوق محل الإشراف السياسي. ولكن لأن بعض الدول لا تزال أكثر ضعفا بوضوح من غيرها، فإن تقديم برنامج إعادة هيكلة الديون الآن من شأنه أن يخيف المستثمرين فيدفعهم إلى الفرار بعيداً عن هذه الدول، وبالتالي فإن ضرر مثل هذا البرنامج أعظم من نفعه.
ينبغي لصناع السياسات أن يستكشفوا في الأمد القريب سبلا أخرى لحل مشكلة أعباء الدين العام. ويسمح برنامج شراء سندات القطاع العام في هيئته الحالية بإعادة الفائدة على السندات التي يشتريها البنك المركزي الأوروبي والبنوك المركزية الوطنية إلى البلد الأصلي. ولكن الوفر من المدخرات متواضع، لأن البنك المركزي الأوروبي مقيد بشكل رسمي في ما يتصل بشراء ما يزيد على كمية معينة من الديون الحكومية لكل دولة. ورفع هذا القيد من شأنه أن يسمح باستخدام الإطار القائم في المستقبل لتخفيف العبء المالي عن بعض البلدان.
في الوقت نفسه، يتعين على البنك المركزي الأوروبي أن يلعب دوراً مختلفاً وأكثر اتساعا من دوره الحالي. وسوف تحتاج السلطات المستقلة ــ مثل المفوضية الأوروبية أو حتى مؤسسة جديدة بالكامل ــ إلى ضمان توظيف المدخرات في استخدامات إنتاجية في كل بلد.

محاضِرة الاقتصاد السياسي في جامعة أوداين، وزميلة حرة لدى مؤسسة بروجل