التنمية البشرية وتجويد الإنتاج

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٨/مارس/٢٠١٧ ٠٤:١٠ ص
التنمية البشرية 

وتجويد الإنتاج

محمد محمود عثمان

التنمية البشرية ضرورة حيوية للتطور والتقدم وبناء المجتمعات وهي من أهم عناصر التشغيل والإنتاج، لذلك لابد أن نمتلك الموارد البشرية ذات القدرة والكفاءة المطلوبة التي تمكن الإدارة الاقتصادية من الاستفادة القصوى منها، باعتبار أن القوى البشرية المدربة مهنيا، هي عصب العمل والإنتاج، حتى في التكنولوجيا الحديثة، خاصة أن العامل العربي يعاني من نواحي قصور متعددة حول ثقافة العمل، والسمات غير المادية في المجتمع: كالدين، والثقافة، ودوافع العمل، والموقف تجاه السلطة، وردود الفعل التاريخية، وأخلاق الفرد والجماعة، والتربية والقيم التي تعدل من سلوك الشعوب، ومن ثم تحور مسار كل حضارة، في أكثر المجالات مادية كالاستثمارات ومعدلات النمو والإنتاج والتبادلات التجارية وغيرها، كما أنه قد لا يجد الآلية الفعالة للاستفادة من قدراته وتوجيه طاقاته نحو حب العمل وتجويده وزيادة الإنتاج، مما أثر على الديناميكية الاقتصادية وتراجع أو تباطؤ معدلات النمو، ولا سيما في مجتمعنا العربي الأحوج إلى التنمية، الذي لا تستطيع فيه الحكومات بمفردها وبدون مشاركة القطاع الخاص، القيام بتطوير كفاءة التشغيل للقوى العاملة والموارد البشرية أو تزويدها بالمهارات التقنية والتكنولوجية التي التي يحتاجها سوق العمل، وتمكنها من الإبداع والتقدم، لأننا لا يمكن أن نختزل الاقتصاد في المواد الأولية ورؤوس الأموال، والأيدي العاملة بدون تأثيرات الثقافة المجتمعية المواتية للاقتصاد، باعتبار أن رأس المال الاجتماعي أهم موارد التنمية، حيث ترتبط التنمية والاكتفاء الذاتي بثقافات الشعوب والمجتمعات والسياسات العامة للدول، أكثر مما ترتبط برأس المال والموارد المادية وحدها، لأن للدين والثقافة والقيم والعادات والتقاليد والعدالة الاجتماعية دوراً في تحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية، لأن سر النهضة الاقتصادية عند الدول حتى التي هزمت في الحرب العالمية الثانية مثل اليابان، وألمانيا، وإيطاليا تكمن في أسباب معنوية وثقافية تتمثل في رغبة القوة البشرية بالتخلص من بؤس الهزيمة، والمبادرة، والتصميم والإصرار على صنع حياة جديدة لبلادهم بأي ثمن، لأن الكثير من العوامل الثقافية أو الدينية التي قد نهمل غرسها في الموارد البشرية، هي عناصر تؤثر بقوة في السوق والاقتصاد مثل ثقافة الاهتمام بدفع الضرائب أوعدم التهرب منها؛ والالتزام بأداء الحقوق، من منطلق أن الدين ثقافة اجتماعية تقلل كثيرًا من أعباء النزاعات والإدارة، وتقلل من الهدر، وتؤدي إلى حسن التعامل مع الآخرين، وتجعل التهرب من تجويد العمل والوفاء بالتزاماته أو أداء الضرائب انحرافًا اجتماعيًا يؤثر على سمعة الإنسان ومكانته الاجتماعية، بالإضافة إلى التأثيرات السلبية على الإنتاج، لأن سلوكيات التهرب من الوفاء بالالتزامات في المصنع أو الجامعة أو المدرسة أو في أي قطاع إنتاجي أو خدمي، يصنع ثقافة تشجع على الفساد والفوضى والتخلي عن الواجبات، لذلك أصبحت التنمية البشرية في هذا الإطار المتمثل في الموارد الاجتماعية والثقافية والمعرفية، تعد أساسا للتنمية والتقدم وتجويد الإنتاج وإنتاجية العامل، من خلال التحولات العالمية نحو «اقتصاديات المعرفة ومجتمعاتها»، الذي تبنته الدول الأوروبية واليابان، ويجب أن تتبناه الحكومات والقطاع الخاص في بلادنا العربية النامية التي تعاني من القحط في الموارد المالية، من خلال تطبيقات وبرامج تستهدف تحسين الثروات البشرية التي نمتلكها، وكثيرا ما تهدر كطاقة فاعلة وأساسية ومؤثرة أيضا، في أي محاولات للإصلاح والتطوير، لأن مفاهيم الكفاءة الاقتصادية والأسواق التنافسية على الرغم من أهميتها ليست كافية لتحقيق التنمية، وأصبحت السياسات الاجتماعية هي الأهم عما كان من قبل، من أجل توظيف العولمة لخدمة التنمية البشرية وحماية المجتمعات من تهديداتها الجديدة ومخاطرها، حيث تفرض الثقافة الدينية والاجتماعية نمطا من الاتجاهات الأكثر فعالية من القوانين والأنظمة المؤسسية المالية والإدارية والرقابية والقضائية، التي تكافح الفساد أوالإفساد، لأن المشروعات والخطط التنموية التي أُنفق عليها الكثير من المال والوقت أدى بعضها إلى مزيد من الفقر والفشل وعدم العدالة، بعد أن فشلت في الاستفادة من الثروة البشرية، مما جعل الشركات الكبرى ومؤسسات الإنتاج الضخمة تبذل قصارى جهدها حتى تحجز لها مقعدا في ساحة المنافسة العالمية من خلال التركيز على (تجويد) منتجها وتحسين أدائه، عبر إيجاد وسائل تطوير العامل وتحسين العمل وصولا إلى نقطة واحدة وهي تجويد وزيادة الإنتاج، لأن الثروة الحقيقية لكل أمة تقاس بقدرتها الإنتاجية وحجم إنتاجها من السلع والخدمات.