الروبوتات واللاجئون

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١١/فبراير/٢٠١٦ ٠٠:٢٠ ص

آن ماري سلوتر
انعقد المنتدى الاقتصادي العالمي هذا العام في دافوس حول موضوع الثورة الصناعية الرابعة. العنوان الفرعي كان ينبغي أن يكون: عن الروبوتات واللاجئين. على الرغم من أن عددا من الجلسات ركزت على الروائع التكنولوجية في المستقبل القريب، فقد أكد البعض الآخر عدم قدرة العالم على مواجهة واحدة من أقدم المشكلات الإنسانية: كيفية تغذية وإيواء ونجدة عدد كبير من السكان النازحين من ديارهم وبلدانهم بسبب النزاعات.

حدثت الثورة الصناعية الأولى مع اختراع المحرك البخاري والإنتاج الميكانيكي. وتم تعريف الثانية عن طريق الكهرباء والإنتاج الضخم؛ ثم الثالثة أي الثورة الرقمية، التي بدأت في سنة 1960 مع اختراع أجهزة الكمبيوتر وأشباه الموصلات والإنترنت.
ووفقا لرئيس المنتدى الاقتصادي العالمي كلاوس شواب، فقد بدأت الثورة الصناعية الرابعة الآن، «التي تتميز بوجود الإنترنت المتنقل أكثر فأكثر في كل مكان، من خلال أجهزة استشعار أصغر حجما وأكثر قوة التي أصبحت أرخص، ومن خلال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي». وبدأت هذه الثورة تدخل عالما تتشابك فيه الأنظمة الافتراضية والمادية في الصناعات التحويلية والخدمات وحتى جسم الإنسان نفسه.
ضمن برامج المنتدى الاقتصادي العالمي نظمت جلسات حول الروبوتات والتكنولوجيا الحيوية، وتكنولوجيا «النانو» والسفر إلى الفضاء. ونظم متحف فيكتوريا وألبرت في لندن المعرض التفاعلي الذي أطلق علية عنوان «هذا الوقت غدا» أظهر المتحف ستة سيناريوهات مستقبلية محتملة، بما في ذلك العالم الذي يمكن فيه إيجاد ثلاثة وجوه للإنسان من ضفيرة واحدة من الحمض النووي، وتغطية المباني بالجلد من أجل التمثيل الضوئي وأخذ ثاني أكسيد الكربون وإطلاق الأكسجين. ويمكن القضاء على الموت بإعادة أولئك الذين يختارون الاحتفاظ بهم بالتبريد إلى الحياة.
ومع ذلك، ركزت معارض أخرى على المشاكل الراهنة الملحة. كان من الممكن أن يتقمص المرء شخصا لاجئا من خلال سماعة الواقع الافتراضي أو من خلال التجربة الفعلية بارتداء الحجاب وقضاء 75 دقيقة يعامل فيها مثل اللاجئين ويواجه خيارات صعبة يعتصر لها القلب في محاكاة أنشأتها مؤسسة مفترق طرق. العديد من اللاجئين الحقيقيين يعيشون في عالم يذكرنا بالكاد بالثورة الصناعية الثانية. هم ملزمون بركوب قوارب تتسرب منها المياه ويضعون أنفسهم تحت رحمة الأمواج، وينامون على الأرض في محطات السكك الحديدية.
ومع ذلك، فإن الغالبية العظمى من المليون لاجئ الذين نزحوا إلى أوروبا في الصيف الفائت -في المقام الأول من سوريا- وصلوا إلى هناك بفضل شبكة «الإنترنت المتنقلة والموجودة في كل مكان» والتي هي جزء من الثورة الصناعية الرابعة. العديد منهم تلقوا توجيهات في الوقت الحقيقي عبر وسائل الإعلام الاجتماعية التي يستخدمونها على هواتفهم الذكية.
ويصف ميشالباونز، مؤسس مؤسسة «من الأقران إلى الأقران»، أن 2015 كانت السنة التي شهدت تنظيم الملايين من اللاجئين بواسطة «وسائل الإعلام الاجتماعية (على وجه التحديد من خلال مجموعات سرية للفيسبوك) والتي استطاع بفضلها العشرات من المواطنين تنظيم أنفسهم من خلال مجموعة الأقران وإنشاء شبكات لمساعدتهم». ويستخدم «لاجئوا الفيســـبوك»، كما أطلقت عليهم الصحافة بسرعة، هذه الأرضية ليس فقط من أجل التنسيق مع المهربين، ولكن أيضا لمساعدة بعضهم بعضا.
وفقا لمسؤول في المفوضية الأممية للاجئين أليساندرا موريلي، فإن عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين الذين يصلون إلى جزيرة ليسبوس اليونانية «يعرفون بالضبط أين سيذهبون، ولمن سيتحدثون وماذا سيشترون»، وظيفة الفيسبوك أظهرت لهم أنواع الخيام للشراء، والطرق التي عليهم سلكوها، وتكتيكات التنفيذ مثل قطع القوارب المطاطية التي وصلوا بها لتجنب دفعهم مرة أخرى إلى البحر من قبل المسؤولين اليونانيين.
ويبقى السؤال مع ذلك، هل يمكن سواء للروبوتات أو لترتيب الجينات أو لأجهزة الاستشعار الصغيرة مساعدة اللاجئين على الاندماج في المجتمعات الأوروبية التي هي معادية بشكل متزايد لهم، أو مساعدتهم على العودة إلى الوطن؟ فمن السهل بما فيه الكفاية تصور وضع علامات ووسائل تتبع مختلفة. على كل حال، استطاعت الهند تحديد هوية الأشخاص بشكل فريد، وقد التحق ما يقرب من بليون الهنود ببرنامجها التعريفي لبيانات الهوية، الذي يعتمد على مسح قزحية العين من عيون المشاركين.
يمكن الجمع بين تحديد القزحية والهواتف الجديدة (التي صدرت بالفعل من قبل مايكروسوفت) التي تستخدم للمصادقة على مســـتخدميها. وباستخدام الهاتف الذكي من قبل اللاجئين يمكنهم الاتصال بوسائل الإعلام الاجتماعية لمعــرفة الاتجاه الذي يرغبون فيه ومن شأنه أيضا إرشاد سلطات الحدود إلى موقع وجودهم. وبينما يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز أمن حدوده من أجل الحفاظ على حرية المواطنين في التنقل عبر الحدود الداخلية، فإن تتبع وتقصي اللاجئين والمهاجـرين لأســباب اقتصادية، قبل أن يصلوا إلى التراب الأوروبي، سيصبح أولوية.
ومع ذلك، وبصرف النظر عن مشاكل الحريات المدنية التي يسببها هذا النوع من التتبع، لا يمكن للتكنولوجيا معالجة المشكلة الأساسية بنجاح: الصراعات التي يفر منها الملايين من الناس باحثين عن ملجأ. تاريخيا، لقد كنا أكثر براعة حتى الآن في تطوير تقنيات جديدة لقتل الناس عوض حمايتهم.
في الحرب الأهلية السورية، عندما ادعت حكومة الرئيس بشار الأسد في وقت مبكر أن الصور العديدة للفظائع التي نشرها أعضاء المعارضة في وسائل الإعلام الاجتماعية كانت وهمية، كان من الممكن وضع برنامج الأمم المتحدة لإجراء التحقيق من أجل التأكد من صحة الصور ومقاطع الفيديو التي تم نشرها. ولكن لا يمكن للتكنولوجيا التغلب على غياب الإرادة السياسية عند بعض الدول لمحاسبة الحكومات الأخرى.
كما لا يمكن للتكنولوجيا إجبار المقاتلين للتفاوض على السلام. حتى القنبلة الذرية، التي أرغمت اليابان على الاستسلام بالقوة، وأنهت الحرب العالمية الثانية، اعتمدت على إرادة هاري ترومان لاستخدامها.
تصف رواية ب.و. سنجر وأوكست كول حربا مستقبلية بين الولايات المتحدة والصين، واللافت للنظر في هذا الكتاب هي التقنيات المذهلة التي يستخدمها كلا الجانبين على أساس المعلومات الفعلية المتاحة للجمهور من الولايات المتحدة ومصادر عسكرية صينية (عدد هائل من الطائرات بدون طيار الدقيقة، والروبوتات، والصور ثلاثية الأبعاد). ولكن لا تزال نتائج الحرب تحددها إرادة الإنسان والشجاعة والعزيمة والتي هي نفس الخصائص الضرورية لوقف المعاناة الإنسانية في أي عصر.

المديرة السابقة لتخطيط السياسات لدى وزارة الخارجية الأمريكية وأستاذة السياسة والشؤون الدولية في جامعة برينستون