وليام بيري
خلال الحرب الباردة حافظنا على قوة كبيرة من الأسلحة النووية مع أكثر 10 آلاف من الرؤوس الحربية النووية الاستراتيجية المنتشرة في ما يسمى بالثلاثي: الصواريخ البالستية العابرة للقارات والصواريخ البالستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات المزودة بقنابل نووية وصواريخ كروز التي تطلق من الجو. وحتى مع تقديرات متحفظة لهذه القوة فقد كانت كافية لتدمير الاتحاد السوفيتي عدة مرات، ومن ثم كانت تعتبر رادعا مؤكدا لأي هجوم نووي على الولايات المتحدة.
بيد أن الحفاظ على قوة الردع هذه كان يكتنفه العديد من المخاطر، فالتهديد بحرب نووية يمكن أن تنفجر في أي لحظة كان أمرا محتملا بسبب خطأ في التقدير (وقع حادث مشابه خلال أزمة الصواريخ الكوبية) أو عن طريق الصدفة (كانت هناك ثلاثة إنذارات كاذبة أبلغت بها ولا أعرف عدد الإنذارات التي ربما حدثت في الاتحاد السوفييتي) وأي حرب نووية من هذا القبيل، بصرف النظر عن الكيفية التي تبدأ بها، إلا أنها لم تكن تعني سوى نهاية حضارتنا. وكنا نعتقد أنه ليس هناك بد من تلك المخاطر بسبب التهديدات التي يمثلها السوفييت.
وعندما وضعت الحرب الباردة أوزارها وتفكك الاتحاد السوفيتي، بدا لي أنه لم يعد من الضروري اتخاذ تلك المخاطر الرهيبة، ومن ثم عندما عُينت وزيرا للدفاع جعلت على رأس قائمة أولوياتي الحد من المخاطر التي تمثلها ترسانة الحرب الباردة النووية، وخصوصا «الأسلحة النووية السائبة» في جمهوريات الاتحاد السوفيتي.
والواقع أن تقدما استمر لبعض الوقت في هذا الشأن ووقعت معاهدة موسكو في عهد إدارة بوش، ومعاهدة ستارت الجديدة في الفترة الأولى من إدارة أوباما، وكل منها يترتب عليه تخفيضات متواضعة في قواتنا النووية المنتشرة، ولكن منذ ذلك الحين توقفت التخفيضات.
وأعتقد أننا الآن على وشك سباق تسلح نووي جديد، وأننا نتجه إلى عقلية الحرب الباردة، وأكثر من ذلك فإنني أعتقد أن خطر وقوع كارثة نووية اليوم أكبر مما كانت عليه خلال الحرب الباردة، إلا أن الرأي العام الأمريكي سعيد بجهله الأخطار النووية الجديدة التي قد يواجهونها. وقد سجلت ذلك في كتاب تحت عنوان «رحلتي على شفا الهاوية النووية»، بهدف تثقيف الجمهور حول هذه المخاطر، كما ضمنت الكتاب تجربتي الخاصة التي دفعتني لأصبح أكثر قلقا بشأن الأخطار النووية المتزايدة.
وقد قطعت روسيا الآن شوطا كبيرا في إعادة بناء البرنامج النووي وإن كانت قد فقدت فرصة الإعلان عما تقوم به، كما أنها أيضا استخدمت هذه الترسانة لتهديد جيرانها الأوروبيين (بصواريخ اسكندر) والولايات المتحدة تعلن أن روسيا هي الدولة الوحيدة في العالم القادرة بالفعل على تحويل الولايات المتحدة إلى رماد مشع.
لا يجب أن نسلم أن الدبلوماسية غير قادرة على الحد من العداء الحالي بين الولايات المتحدة وروسيا، كما أننا لم نسلم أنه من المستحيل استخدام الدبلوماسية مع إيران. فهناك الكثير من المصالح المشتركة مع روسيا، حتى ونحن نواجه موسكو حول قضايا متنازع عليها، علينا أن نعمل معا على الآخرين لمنع الانتشار النووي والإرهاب النووي.
ومع أنني طالبت لسنوات بالتحرك من أجل القضاء على الأسلحة النووية، أعتقد أنه في الظروف الجيوسياسية الحالية، يجب أن نستمر في الحفاظ على ردع قوي، وهذا يتطلب بعض التحديث في قواتنا التي تقادم عليها العمر. ولكنا فيما نقوم بهذا التحديث علينا ألا نستجيب بشكل مناظر لروسيا، وألا نقوم ببساطة بإعادة بناء القوة التي كانت لدينا إبان الحرب الباردة.
لقد شهدت العقود الخمسة أو الستة الأخيرة تغيرات كبيرة تقنية وكذا جغرافية وسياسية، وأعتقد أنه ليس من الضروري الاستمرار في الحفاظ على تلك القوة الثلاثية التي ترسخت خلال الحرب الباردة، وأؤيد إعادة هيكلة القوة البحرية وبناء قاذفة مهاجمة طويلة المدى والتي يمكن استخدامها مثل بي - تو سواء للقوات النووية أو التقليدية والتخلص من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات والقاذفات الجوية الإسترتيجية بدلا من استبدالها. فالتخلص من هذين النظامين أقل تكلفة من إعادة بنائهما، وتظل القاذفات الاستراتيجية المتوفرة توفر رادعا قويا واضحا. كما أن مثل هذا التخلص التدريجي له فائدة إضافية تتمثل في الحد من احتمال وقوع حرب نووية عرضية، بإنهاء سياسة «الإطلاق بناء على تحذير».
والأهم من وجهة نظري حول هيكل القوة هو قلقي أن يذهب صوتي هباء، وما أدعو له لا يتعلق كثيرا بهيكل قوة معين، ولكن نقاشا وطنيا جادا حول هذه المسألة، والنتيجة تنطوي على أبعاد أمنية ومالية غاية في الأهمية للولايات المتحدة والعالم. والأهم من ذلك أن قضايا أمنية جوهرية على المحك، وعلينا أن لا ننجرف ببساطة إلى مجرد قرار حول كيفية هيكلة قوة الردع لدينا في المستقبل.
وزير الدفاع الأمريكي خلال الفترة من 1994-1997،
وهو مؤلف كتاب «رحلتي على شفا الهاوية النووية»