عصــــر النـقـــل الســـريـع والـرخـيـــص والآمـــــن

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٣/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٤٣ ص

د. محمد ناجي الكـعـبي

يطالعنا العلماء اليوم بفكرة النقل الفائق لسرعة الصوت للأشخاص والبضائع من خلال الحلقة المفرطة (هايبرلوب-Hyperloop). وتتميز واسطة النقل المشار لها بخلوها من الحوادث، وبأنها مُجدية من الناحية الاقتصادية. ويبلغ عُمر فكرة النقل من خلال أنابيب مُفرغة أو شبه مُفرغة من الهواء مئة سنة، ولكن الذي أحيا هذه الفكرة ثانية هو المخترع الأمريكي الكندي المهندس إيلون ماسك (المولود في جنوب أفريقيا، وهو المؤسس والمدير التنفيذي لشركة سبيس إكس (SpaceX) والتي تسعى إلى ابتكار تقنيات تقلل من تكاليف النقل الفضائي، وتسعى إلى استعمار كوكب المريخ من قبل البشر، وهو المدير التنفيذي لشركة صناعة السيارات الذكية تيسلا موتورز (Tesla Motors) إلى جانب العديد من المناصب الأخرى). وتقوم فكرة النقل من خلال الحلقة المفرطة على استخدام أنابيب ذات ضغط واطئ لتسير داخلها كبسولات مضغوطة (pressurized capsules) موضوعة على وسادة هوائية (air cushion) ويتحكم بها محركات حث خطية (Linear induction motor) وضاغطات هوائية (air compressors). وعمد مبتكرو هذه الواسطة إلى استخدام الأنابيب المُفرغة أو شبه المُفرغة من الهواء ضمن الحلقة المفرطة (هايبرلوب-Hyperloop) بهدف التخلص من الاحتكاك الهوائي (air resistance) والذي يقلل من سرعة المركبات، وبالأخص عند السير بسرعة عالية. لذا يرى البعض أن فكرة الحلقة المفرطة (هايبرلوب-Hyperloop) مماثلة لفكرة طيران الطائرات ضمن ارتفاعات عالية حيث يقل الهواء وبالتالي يقل الاحتكاك الهوائي، وبالتالي تزداد السرعة ويقل زمن الرحلة.

وتتميز الحلقة المفرطة (هايبرلوب) بعدد من الخصائص، ومنها أن كلفة إنشائها تبلغ عُشر (1/‏‏10) كلفة إنشاء منظومة القطارات الفائقة السرعة (High-Speed Railway System)، كما أنها ستمد الشبكة الكهربائية بالطاقة الكهربائية التي تولدها الخلايا الشمسية، والفائضة أصلا عن حاجة واسطة الهايبرلوب للطاقة، كما أنها تتميز بعدم تأثرها بالعوامل الجوية ممثلة بالضباب والأمطار والثلوج.. إلخ، لذا يدعي القائمون على إنشاء هذه الواسطة بأنها خالية من حوادث التصادم، ولكن البعض يقول إن أي عمل إرهابي بسيط سيوقفها. تبلغ سرعة الحلقة المفرطة (هايبرلوب) ضعف سرعة الطائرة، وتتميز باستهلاكها القليل للطاقة، وبأنها صديقة للبيئة لأنها تعتمد على الطاقة الشمسية. ويعتقد المختصون أن هذه الوسيلة تمثل أحد الحلول المقترحة لحل المشاكل المتعلقة بالاكتظاظات والزحمة المرورية ضمن المدن الكبرى.

من البديهي أن يكون لكل واسطة نقل مزاياها وعيوبها، فقد انتقدت بعض المدن والخبراء هذه الواسطة، لأن على الراكب تحمل الجلوس في كبسولة ضيقة ومحكمة الغلق وخالية من النوافذ، وتسير داخل نفق حديدي مُحكم الغلق. وسيتعرض الركاب خلال الرحلة إلى قوى التعجيل (Acceleration Forces) الكبيرة وإلى مستويات عالية من الضوضاء بسبب الهواء المضغوط والذي يسير بسرعة مقاربة لسرعة الصوت والاهتزازات والرجات، وعلينا أن لا ننسى ماذا سيحدث للركاب أثناء الزلازل وهم داخل الكبسولة والنفق الحديدي، وهناك من يسأل كيف سيمكن إسعاف الركاب في الحالات الطبية الطارئة، وفي حالة إصابتهم بالدوار الناتج عن الحركة السريعة.
يسعى المختصون حاليا لتصميم واستعراض وتقييم التصاميم الخاصة بكبسولات مريحة للركاب، وبناء ممرات وأنفاق لهذه الوسيلة وبناء المحطات الخاصة بواسطة النقل الهايبرلوب. ويخضع هذا المشروع حاليا لدراسات جدوى في كل من دبي، وفنلندا وروسيا وسويسرا ولوس أنجلوس. وأوضحت إحدى الدراسات الأولية التي نُشرت سنة 2016 أن ربط العاصمة الفنلندية هلسنكي بمدينة أمستردام الهولندية سيكون مجديا من الناحية الاقتصادية وسيقلص وقت الرحلة إلى نصف ساعة، وقدرت هذه الدراسة تكاليف إنجاز هذا المشروع بـ 19 بليون يورو.
وسيتم استخدام هذه الفكرة المُبتكرة للربط ما بين مدينتي لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو، وذلك لتمكين المسافرين على متن الحلقة المفرطة (هايبرلوب) من قطع المسافة بين هاتين المدينتين والبالغة 560 كم خلال فترة 35 دقيقة وبسرعة تبلغ 970 كم/‏‏ساعة، ويُمكن لواسطة النقل هذه من سير بسرعة تصل إلى 1200 كم/‏‏ساعة. وتتراوح التقديرات الخاصة بكلفة إنجاز هذه المشروع ما بين 6 بلايين دولار أمريكي لنقل المسافرين فقط، و7.5 بليون دولار أمريكي لنقل المسافرين والمركبات، وهناك من يشكك بصحة هذه التقديرات.
وتسعى دول عديدة للاعتماد على هذه الوسيلة المبتكرة، ومن الدول العربية التي تبنت هذا الموضوع دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تسعى من خلال دراسات الجدوى إلى تبني فكرة ربط دبي بسائر المدن الرئيسية ضمن الإمارات وهناك دراسات في كل من روسيا والصين، بالطبع إلى جانب تبني الفكرة في الولايات المتحدة الأمريكية. وهناك فكرة لربط مدينتي باريس وأمستردام ليصل الراكب خلال نصف ساعة، وربط مدينتي كاركوف وكدانسك البولنديتين، وربط مدينتي تورنتو ومونتريال الكنديتين.
يوضح مبتكر هذه الطريقة المهندس إيلون ماسك (Elon Musk) أن كوكب المريخ هو الأنسب لهذه الوسيلة، لأن كثافة الهواء هناك تبلغ 1 % من كثافة الهواء على الأرض، وبالتالي لن تحتاج هذه الوسيلة إلى الأنابيب المفرغة وشبه المُفرغة من الهواء، وإنما ستحتاج فقط إلى المسار (Track). ولعلنا نرى هذه الوسيلة يوما ما وهي تنقل المسافرين عبر مدن السلطنة، وتقرب المسافات بين المدن الرئيسية فيها.

باحث ومتخصص بجودة التعليم

وتكنولوجيا المعلومات