مسؤول.. «متنزق»!

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٢/مارس/٢٠١٧ ٠٥:٤٠ ص
مسؤول.. «متنزق»!

محمد بن سيف الرحبي

الفرق بين مـــن جـــاءه المنصب على حين غرة، والذي وصلـــه بتدرج لا يحتاج إلى «قوي الملاحظة» ليكتشف الفروقات السبعة بين «الوجهين»، فالدلالات تبدو واضحة بين الجالس على الكرسي بثقة، والذي يشعر أن الكرسي هو الذي يجلس عليه، ولذلك يتصرف مرتبكاً، ويخشى أن يقع الكرسي من فوق رأسه إذا تحرّك كثيراً بعيداً عنه، وعليه أن يلتصق به، وفي عرفنا العماني فإن اللصقة تستمر عشرات السنين، إلا فيما ندر!

وهي حالة إنسانية في المقام الأول، أن تقابل وزيراً فتجده بتواضع الكبار، وأن تقابل رئيس قسم فتكاد تنفر من عنجهيته؛ لأن غرور الصغير غرّر به، وجعله بشعور القادر على اجتياح كل المناصب عاماً بعد عام، لو قدّر لمواهبه أن تطلع، ويطّلع عليها أولوا الأمر.

التقيت بشخصية حسبت أن المكانة التي وصل إليها أكبر من قدراته، فإذا به يشعرني أن تواضعه وعدم حبّه للمناصب جعله يقبل بها، وإنه لن يرضى بأقل من مرسوم سلطاني يلائم المكانة التي وصلها، حيث أعطى ما لم يعطه أحد من قبله، في هذا المنصب وما سبقه، من مناصب إدارية لم تتعد كلمة مدير، ولن يستطيع أحد تقديم الجديد في منصبه الحالي.. بعده.
كنت أشفق على نفسي من هكذا شخصيات شربت الوهم، ولا أشفق عليها، لأني تحملت ساعتين مضاضة الجلوس إلى من «صدّق» نفسه، بسبب اختيارات عشوائية، لم تعد خافية على أحد، حيث الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب، عززتها مهارات أخرى لا تقارب الكفاءات، بل أنت قريب من؟ وما اللقب الذي يسبق اسمك؟!
ليست المرة الأولى، ولا الأخيرة، التي يثار فيهـــا موضـــوع الكفاءات، والمسؤولين العابرين «للدرجات» و«المسميات الوظيفية» ولا أمل في التخلص منها، طالما أننا حتى في اختياراتنا لعضوية المجالس «الدولة والشورى والبلدية» نقدّم هذه الاعتبارات على كل اختيار آخر يتعلق بالكفاءة، فعضوية مجلس الدولة تعتمد على من يرشح اسمك؟ والشورى لصالح القبيلة في الأغلب، والبلدي.. حسب اعتبارات عدة، كونه أضعف «المسميات» في مجتمع يؤمن بوجاهة «من تكون؟».. وليس «ما تكون؟».
من حقّ أي مسؤول أن «يتنزّق» وهو يمارس أدواره من منطلق «فوقي» يرى في الآخرين ضعافاً لن يصلوا إلى ما وصل إليه، مع أنه يدرك، ربما في عقله الباطني، أن استعراضاته ليست إلا تعويضاً عن نقص في فهم ما يجري، ولذلك تأتي القرارات ارتجالية، ومندفعة، وعابثة.. وماذا بعد؟
ستتكاثر منه الشكاوى، وعليه القضايا، وكلما خسرت مؤسسته قضية توجب عليها دفع ثمن «نزقته» الإدارية.. مالياً.
أربط هذه القضية بمقالين سابقين، إذ إن مراجعة المرحلة الحالية، وبرنامج تنفيذ لن يحققا نجاحاً طالما بقينا في دائرة المحسوبيات والمسؤولين «الأقارب» وأصحاب «الألقاب»، وأن عبور المرحلة الحالية ليس برفع الدعم وإجراءات التقشف.. بل بإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، هذه التي تأخرت كثيراً، بينما الإجراءات التي تمس المواطن تم الإسراع فيها!