جيم أونيل
هذه مراجعة للحقائق لصالح صناع السياسات البريطانية والأمريكية، والعديد من الخبراء كثيرا ما يعلقون على التجارة العالمية من دون فهم حقائقها: تشير البيانات الخاصة بإجمالي صادرات ألمانيا ووارداتها في العام 2016 إلى أن شريكها التجاري الأكبر هو الصين الآن، في حين دُفِعَت فرنسا والولايات المتحدة إلى المركزين الثاني والثالث. وما حدث كان مدفوعاً في المقام الأول بالصادرات الصينية إلى ألمانيا. ولكن الصادرات الألمانية إلى الصين كانت أيضا في ازدياد. وعلى الرغم من التباطؤ مؤخراً، تستطيع ألمانيا قريبا أن تزيد صادراتها إلى الصين بما يتجاوز صادراتها إلى جارتها وشريكتها المهمة فرنسا، وقد أصبحت صادراتها إلى الصين أكبر من صادراتها إلى إيطاليا بالفعل. وتُعَد فرنسا والمملكة المتحدة السوقين الوحيدتين الأكبر من الصين بالنسبة للمصدرين الألمان.
ففي المملكة المتحدة، تبنى مجلس العموم بالفعل مشروع قانون يقضي بإنشاء عملية للانسحاب من الاتحاد الأوروبي؛ ولكن مجلس اللوردات يطالب الآن بتعديل مشروع القانون هذا لحماية مواطني الاتحاد الأوروبي المقيمين في المملكة المتحدة. و علاوة على ذلك، حَذَّرت من أن المملكة المتحدة سوف تحتاج إلى اعتماد نهج أكثر تركيزا وطموحا في التعامل مع التجارة، ولا يختلف عن ذلك الذي تتبناه الصين أو الهند، إذا كان لها أن تبلي بلاءً حسناً بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي. ولكن من المؤسف أن الاستراتيجية التجارية التي تتبناها المملكة المتحدة في مرحلة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي تتحدد وفقا لسياسات داخلية، كتلك التي ترى أن "الوطنية" تُملي على البلاد التركيز على اتفاقيات تجارية جديدة مع أستراليا وكندا ونيوزيلندا وغيرها من الدول في الكومونولث، وتجاهل الحقائق الاقتصادية القاسية.
الواقع أن نيوزيلندا بلد جميل ولكنه لا يتمتع باقتصاد كبير بشكل خاص، وتظل نيوزيلندا بعيدة للغاية عن المملكة المتحدة. والواقع أنه على الرغم من المشاكل الهائلة التي يواجهها اقتصاد اليوناني فإنه يظل أكبر من اقتصاد نيوزيلندا.
في الوقت نفسه، ينبغي للمملكة المتحدة أن تحاول تعميق علاقاتها مع الصين ــ أو ما أسماه رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون "العلاقة الذهبية" ــ إلى مستوى جديد. وإذا كان هناك أي دولة ينبغي للملكة المتحدة أن تكون راغبة في إبرام اتفاق تجاري جديد معها، فمن المؤكد أنها الصين. وخلال الفترة الوجيزة التي أمضيتها في الحكومة البريطانية، ساعدت وزير المالية البريطاني آنذاك جورج أوزبورن في إقناع كاميرون بأننا ينبغي لنا أن نطمح إلى جعل الصين ثالث أكبر سوق لصادراتنا في غضون عقد واحد. ولكن هل لا تزال الحكومة الجديدة تنظر في هذه الأولوية؟
في الولايات المتحدة، يحتاج الرئيس دونالد ترامب ومستشاروه لشؤون السياسة الاقتصادية إلى العودة إلى الواقع، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالتجارة. وبوسعهم أن يشرعوا في هذا بدراسة الأنماط التجارية الألمانية، وخاصة في مواجهة الصين. لا شك أن الصين تتمتع بفائض تجاري ثنائي كبير مع الولايات المتحدة؛ ولكنها تشكل أيضا سوقا واسعة لصادرات الشركات الأمريكية. وإذا استمرت الاتجاهات التي سادت طوال السنوات العشر إلى الخمس عشرة الفائتة، فربما تتمكن الصين قريبا من الحلول محل كندا والمكسيك باعتبارها السوق الأكثر أهمية للصادرات الأمريكية.
وأخيرا، من خلال الدفع في اتجاه إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، يخوض ترامب مجازفة أشبه بالخروج البريطاني. فبرغم مكاسب الصين الأخيرة، لا تزال كندا والمكسيك جارتين قريبتين وشريكتين تجاريتين شديدتي الأهمية. ومن المرجح أن تتسبب سياسات ترامب، ربما من خلال تعطيل أنماط الاستيراد مع الدول الثلاث، في دفع أسعار الواردات إلى الارتفاع، في حين تتسبب في تعريض نمو الصادرات الأمريكية للخطر.
رئيس جولدمان ساكس لإدارة الأصول والسكرتير التجاري لوزارة الخزانة في المملكة المتحدة سابقا.