الحروب الإلكترونية

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢١/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٢٦ ص

جوزيف ناي

أثارت سلسلة من الأحداث في السنوات الأخيرة بما في ذلك تدخلات روسيا الإلكترونية في الولايات المتحدة لصالح انتخاب دونالد ترامب رئيسا عام 2016، والهجمات الإلكترونية المجهولة التي عطلت شبكة كهرباء أوكرانيا في العام 2015، وفيروس «ستكسنت» الذي دمر ألفاً من أجهزة الطرد المركزي الإيرانية كلها أثارت قلقا متزايدا بشأن الصراع في الفضاء الإلكتروني. في مؤتمر الأمن في ميونيخ الشهر الفائت، أعلن وزير الخارجية الهولندي بيرت كوندرز تشكيل لجنة عالمية غير حكومية جديدة من أجل استقرار الفضاء الافتراضي لتدعيم مجموعة الأمم المتحدة للخبراء الحكوميين (GGE).

وساعدت تقارير فريق الخبراء الحكوميين التابع للأمم المتحدة في الأعوام 2010، و2013، و2015 على وضع جدول أعمال المفاوضات حول الأمن الإلكتروني، وآخرها تحديد مجموعة من المعايير التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة. لكن رغم هذا النجاح الأولي، فصلاحيات فريق الخبراء الحكوميين محدودة. المشاركون هم من الناحية الفنية مستشارو الأمين العام للأمم المتحدة وليسو مفاوضين وطنيين يتمتعون بكامل السلطة. ورغم أن عدد المشاركين قد ارتفع من 15 إلى 25، فإن معظم البلدان لا تملك صوتا.

لكنَّ هناك سؤالا أكبر يُطرح على فريق الخبراء الحكوميين: هل يمكن للقوانين أن تحد حقا من سلوك الدولة؟
يتفق معظم الخبراء على أن معاهدة الفضاء الإلكتروني العالمية حاليا ستكون مستحيلة من الناحية السياسية (على الرغم من تقديم روسيا والصين هذه المقترحات في الأمم المتحدة). لكن ما عدا المعاهدات الرسمية، تشمل القيود التنظيمية على الدول أيضا مدونات سلوك وممارسات الدولة التقليدية، وتوقعات مشتركة على نطاق واسع من السلوك السليم بين مجموعة (الذي أوجد القانون العام). في هذا النطاق، يمكن لهذه القيود أن تختلف على المستوى العالمي، والمتعدد الأطراف، والثنائي. بماذا يمكن أن يفيدنا التاريخ بخصوص فعالية أدوات السياسة المعيارية؟
في العقد ما بعد هيروشيما، كانت الأسلحة النووية التكتيكية تعد على نطاق واسع سلاحا «طبيعيا»، ودمج الجيش الأمريكي المدفعية النووية والألغام الأرضية الذرية، والأسلحة المضادة للطائرات النووية في القوات المنتشرة. في العام 1954 و1955، اقترح رئيس هيئة الأركان المشتركة للرئيس دوايت أيزنهاور أن دفاع ديان بيان فو في فيتنام والجزر بالقرب من تايوان يتطلب استخدام الأسلحة النووية (لكن رفض إيزنهاور النصيحة).
مع مرور الزمن، تم وضع قانون رسمي لعدم استخدام الأسلحة النووية الذي غير تلك الحقيقة. وقال الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل توماس شيلينج إن تطوير قانون عدم استخدام الأسلحة النووية ساهم في الحد من التسلح على مدى السنوات الـ 70 الفائتة، وكان له تأثير مُثبط على صناع القرار. لكن بالنسبة للدول النووية الجديدة مثل كوريا الشمالية، لا يمكن للمرء أن يكون على يقين من أن تكاليف انتهاك المحرمات سوف ينظر إليها على أنها تفوق كل الفوائد.
وبالمثل، فإن تحريم استخدام الغازات السامة في الحروب تم بعد الحرب العالمية الأولى، ويحظر بروتوكول جنيف للعام 1925 استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية. وهناك معاهدتان في العام 1970 تحظران إنتاج وتخزين هذه الأسلحة، وثمن استخدامها وامتلاكها مكلف للغاية.
وتبقى أحكام التحقق من وجود أو استعمال الأسلحة البيولوجية ضعيفة (مجرد تقديم التقارير إلى مجلس الأمن للأمم المتحدة)، ومثل هذه المحرمات لم تمنع الاتحاد السوفيتي من الاستمرار في امتلاك وتطوير الأسلحة البيولوجية في العام 1970.
ومع ذلك، فقد غيرت كلا المعاهدتين كيف يتصور الآخرون مثل هذه الأعمال. وساهمت هذه التصورات في تبرير غزو العراق في العام 2003 وإلى التفكيك الدولي لمعظم الأسلحة السورية في العام 2014. مع 173 دولة التي صدقت على اتفاقية الأسلحة البيولوجية، فإن الدول التي ترغب في تطوير مثل هذه الأسلحة يجب أن تفعل ذلك سرا، وتواجه إدانة دولية واسعة إذا كانت هناك دلائل على أنشطتها.

قد تصبح المعيارية أيضا ذات صلة بمجال الإنترنت، رغم أن الفرق بين استعماله كسلاح أو غير ذلك يعتمد على النوايا، وسيكون من الصعب منع -ومن المستحيل حظرها بشكل موثوق- التصميم وحيازة، أو حتى زرع بعض برامج التجسس في الكمبيوتر. وبهذا المعنى، لا يمكن للجهود المبذولة لمنع حرب الإنترنت أن تكون مثل مراقبة الأسلحة النووية التي وضعت خلال الحرب الباردة، التي كانت تتضمن معاهدات متقنة ونظم تحقيق تفصيلية.

هناك نهج أكثر فعالية لوضع ضوابط معيارية على الحرب الإلكترونية بهدف منع ليس الأسلحة، ولكن أهدافها. وقد دافعت الولايات المتحدة على فكرة تطبيق قانون النزاعات المسلحة (LOAC)، الذي يحظر الهجمات المتعمدة على المدنيين، في الفضاء الإلكتروني. ووفقا لذلك، اقترحت الولايات المتحدة أنه بدلا من الالتزام «بعدم البدء باستخدام» الأسلحة الإلكترونية، ينبغي على البلدان أن تتعهد بعدم استخدام الأسلحة الإلكترونية ضد منشآت مدنية في زمن السلم.

وقد تم اعتماد هذه المقاربة للمعايير من قبل فريق الخبراء الحكوميين. وسوف يدعم تدابير بناء الثقة مثل منح المساعدة للطب الشرعي وعدم التدخل في عمل فرق الاستجابة لحوادث أمن الحاسب الآلي (CSIRTs).
كما ركز تقرير فريق الخبراء الحكوميين لدى الأمم المتحدة في يوليو 2015 على كبح الهجمات على أهداف مدنية معينة، بدلا من تحريم كود معين. في قمة سبتمبر 2015 بين الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما والرئيس الصيني شي جين بينج، اتفق الزعيمان على تشكيل لجنة من الخبراء لدراسة اقتراح فريق الخبراء الحكوميين. وفي وقت لاحق، تم التصديق على تقرير فريق الخبراء الحكوميين من قبل قادة المجموعة 20، وبالاستشارة مع الجمعية العامة للأمم المتحدة.
لكن وقع الهجوم على نظام الطاقة الأوكراني في ديسمبر عام 2015، بعد وقت قصير من تقديم تقرير فريق الخبراء الحكوميين، وفي العام 2016، لم تتعامل روسيا مع العملية الانتخابية للولايات المتحدة كبنية أساسية مدنية محمية. ولا يزال وضع ضوابط معيارية على الأسلحة الإلكترونية عملية غير مكتملة وبطيئة لحد الآن.

أستاذ في جامعة هارفارد وعضو اللجنة العالمية الجديدة حول استقرار الفضاء الإلكتروني