الامتحان الصعب للصين

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢١/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٢٥ ص
الامتحان الصعب للصين

تشاو مينج هاو

يبدو أن أزمة جديدة تختمر الآن في شبه الجزيرة الكورية. ففي منتصف شهر فبراير، أجرت كوريا الشمالية تجربة إطلاق صاروخ باليستي متوسط المدى. وفي مارس بدأت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية مناورات عسكرية مشتركة لم يسبق لها مثيل من حيث الحجم والقوة.

وسوف تستمر هذه التدريبات العسكرية إلى نهاية أبريل، وهي تتضمن عددا كبيرا من القوات البرية والجوية والبحرية من الدولتين، بما في ذلك أصول استراتيجية مثل قاذفات القنابل بي-52، وحاملة الطائرات يو إس إس كارل فينسون. ورغم الاعتراضات من قِبَل روسيا والصين، تعمل الولايات المتحدة على التعجيل بنشر النظام المضاد للصواريخ المسمى «دفاع المنطقة الطرفية العالي الارتفاع» (ثاد) في كوريا الجنوبية.

في نفس اليوم الذي شهد بداية التدريبات العسكرية الأمريكية الكورية الجنوبية المشتركة، تَفَقَّد زعيم كوريا الشمالية كين جونج أون مقر الوحدة المجمعة الكبرى 966 التابعة للجيش الشعبي الكوري. وبعد خمسة أيام، أطلقت كوريا الشمالية أربعة صواريخ باليستية، سقط أحدها كما أفادت التقارير على بعد مئتي ميل من ساحل اليابان. وقد دفعت هذه التجارب أغلب الخبراء إلى الاعتقاد أن كوريا الشمالية وَسَّعَت بشكل كبير قدراتها النووية والصاروخية، وأنها بحلول العام 2020 ربما تكون قادرة على تركيب رؤوس نووية مصغرة على صواريخ بعيدة المدى قادرة على الوصول إلى الولايات المتحدة القارية.
كان من المقرر أن تبدأ محادثات في نيويورك بين وفد من كوريا الشمالية وعدد من كبار المسؤولين الأمريكيين السابقين في أوائل مارس. ولكن الاجتماع ألغي في أواخر فبراير، عندما رفضت وزارة الخارجية الأمريكية إصدار تأشيرات للدبلوماسيين من كوريا الشمالية، مما يديم نقص التواصل الذي كان سببا في تفاقم مخاطر الجمود الحالي.ويبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرر زيادة الضغوط على كوريا الشمالية، بدلا من الوفاء بوعوده الانتخابية والتحدث بشكل مباشر مع كيم. كما أفادت التقارير أن مجلس الأمن القومي يجري مراجعة معمقة لسياسة الولايات المتحدة في التعامل مع كوريا الشمالية، ويدرس عددا من الخيارات السياسية تتراوح بين توجيه ضربات استباقية للمنشآت النووية في كوريا الشمالية والتغيير «الناعم» للنظام من خلال فرض عقوبات أكثر صرامة.
وحتى لو كان ترامب على استعداد لإجراء محادثات مباشرة مع كوريا الشمالية، فمن الواضح أن إدارته ليست مستعدة للقيام بذلك، لأن الأمر يتطلب سياسة متماسكة وعملية تتمتع بالمصداقية في صنع السياسات. ويظل البيت الأبيض في ظل ترامب غارقا في اختلاله الوظيفي، كما يتضح ليس فقط من طرد مايكل فلين من منصبه كمستشار للأمن القومي، بل وأيضا من ندرة التعيينات في المناصب العليا للإشراف على شؤون آسيا ومنطقة المحيط الهادئ في وزارتي الخارجية والدفاع.
ورغم هذا الفراغ السياسي في السلطة التنفيذية، ترى الحكومة الأمريكية في التجارب الصاروخية الأخيرة التي أجرتها كوريا الشمالية تهديدا كبيرا. والآن يدعو العديد من أعضاء الكونجرس وكبار المسؤولين العسكريين إلى استجابة أكثر صرامة، والتي قد تشمل إعادة نظام كيم إلى قائمة الدول الراعية للإرهاب، واستخدام قوات أمريكية خاصة لتنفيذ ضربات جراحية. ولكن مثل هذا التصرف لن يؤدي إلا إلى تفاقم شعور النظام بانعدام الأمان.
تعتقد أجهزة الاستخبارات الأمريكية والكورية الجنوبية أن كوريا الشمالية لديها من 10 إلى 16 سلاحا نوويا وأكثر من ألف صاروخ باليستي، الأمر الذي يجعل من المستحيل عمليا تعطيل تهديد كوريا الشمالية عسكريا من دون إلحاق أضرار جسيمة بالولايات المتحدة وحلفائها. والآن بعد عزل رئيسة كوريا الجنوبية باك كون هي رسميا من منصبها، أصبحت حكومة كوريا الجنوبية، في ظل الحملة الانتخابية لاختيار رئيس جديد قريبا، في موقف لا يسمح لها بملاحقة خيارات سياسية جديدة -متشددة أو غير ذلك- لأشهر عدة.
من ناحية أخرى، أصبح دور الصين في شبه الجزيرة الكورية أشد تعقيدا. فمن جانب، أعربت الصين عن معارضتها للتجارب الصاروخية التي أجرتها كوريا الشمالية، وعلقت وارداتها من الفحم من كوريا الشمالية بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وفي الرد على هذا، ذهبت وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية إلى حد انتقاد الصين ضمنيا لأنها «ترقص على أنغام الولايات المتحدة».
لكن الصين تنظر أيضا إلى نشر النظام الجديد المضاد للصواريخ (ثاد) باعتباره تهديدا استراتيجيا خطيرا. ويشعر قادة الصين بالانزعاج إزاء احتمال عمل الرادار إكس باند التابع لنظام ثاد على إبطال قدرة الصين على توجيه ضربة نووية ثانية، وأن النظام ربما يكون متكاملا مع المرافق الأمريكية واليابانية لإيجاد شبكة تغطي منطقة شمال شرق آسيا بالكامل. والواقع أن رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي يدفع بالفعل في اتجاه نشر نظام ثاد في اليابان.
في نوفمبر، وقعت كوريا الجنوبية واليابان على اتفاق لتبادل المعلومات الاستخباراتية العسكرية. ولكن في حين يعمل حليفا الولايات المتحدة، اللذان كانا ذات يوم عدوين لدودين، عل تحسين العلاقات الأمنية الثنائية، تخشى الصين وروسيا أن يرقى التحالف الوثيق بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية إلى ما يعادل حلف شمال أطلسي مصغر على حدودهما الشرقية.
لن تُفضي عودة تكتلات الحرب الباردة الأمنية للظهور في شمال شرق آسيا إلا إلى تفاقم العداوات الإقليمية. ولتجنب هذه النتيجة، تدعو الصين الأطراف كافة إلى التوقف والتفكير العميق. وعلى حد تعبير وزير الخارجية الصيني وانج يي مؤخرا فإن الولايات المتحدة وكوريا الشمالية أشبه بقطارين متسارعين على مسار اصطدام، ويرفض كل من الجانبين أن يخلي السبيل.
وقد التقى وانج مع نائبة وزير الخارجية الكورية الشمالية ري كيل سونج في بكين، وسوف يلتقي مع وزير الخارجية الأميركي ركس تيلرسون في الثامن عشر من مارس، في محاولة لتنسيق أول لقاء بين الرئيس الصيني شي جين بينج والرئيس الأمريكي ترمب. وغني عن القول إن حل قضية كوريا الشمالية النووية ستكون على رأس أولويات القمة. من جانبها، اقترحت الصين نهجا من شقين. فأولا، توقف كوريا الشمالية تجاربها النووية والصاروخية، في حين توقف الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية المناورات العسكرية المشتركة الواسعة النطاق. وثانيا، تعود الأطراف المشاركة كافة إلى طاولة المفاوضات، على أن تضع نصب أعينها الهدفين الموازيين المتمثلين في نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية، وإبرام اتفاق سلام يحل محل اتفاق الهدنة الذي دام ستين عاما بعد الحرب الكورية. وينبغي للأطراف في غضون ذلك أن تعكف على دراسة اقتراح وزير الخارجية الكوري الجنوبي الأسبق يون يونج كوان والذي يقضي بإزالة نظام ثاد بعد أن تتخلى كوريا الشمالية عن برنامجها النووي.
من الواضح أن انعدام الثقة الاستراتيجي عبر شمال شرق آسيا لن يؤدي إلا إلى تفاقم توتر العلاقات المتوترة بالفعل بين الولايات المتحدة والصين. ويتطلب السيناريو الكابوس المتمثل في اندلاع صراع عنيف على شبه الجزيرة الكورية أن تكون الغَلَبة للعقول الرزينة.

زميل باحث لدى معهد تشارهار في بكين