رب ضارة نافعة

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٥/يناير/٢٠١٦ ١٥:٠٢ م
رب ضارة نافعة

في الوقت الذي تعمل الحكومة على تلافي تراجع الإيرادات النفطية المنخفضة نتيجة ‏لانخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، من خلال هيكلة الرسوم والضرائب على الخدمات وتطوير آليات العمل في الجهات الحكومية والارتقاء بكفاءة الخدمات وجودتها وتوجيه المصاريف إلى الضروريات من العمل، وتقليص النفقات غير الضرورية من خلال إصدار المنشورات المالية، وتوجيه الوزارات إلى الحد من الإنفاق الجاري، فإن تفهم المجتمع لهذه الإجراءات يجب أن يكون حاضرا في كل وقت، ومساندا لها لكونها تأتي في أوقات عصيبة تسبب فيها انخفاض الإيرادات النفطية إلى نسبة كبيرة أثرت على الدخل العام للدولة، كما تابعنا في الموازنات العامة التي أعلنت عن توقع عجز قدره 3.3 مليار ريال للعام الجاري، والحسابات المبديئة للسنة المنتهية لعام 2015 م ومعدلات العجز التي زادت على 4.5 مليار ريال
كل ذلك وغيره كفيل بأن نقدر ما تقوم به الحكومة من إجراءات هادفة لتأمين الموارد المالية للمصروفات الإنمائية والجارية، والحفاظ على المالية العامة للدولة وسمعتها بين الأوساط الدولية، مما يتطلب التعاون مع هذه الخطوات، فهذه الأزمة يجب علينا النظر فيها من منظورها الإيجابي وليس السلبي فقط، وربما نعيد هيكلة إنفاقنا ومصاريفنا ونعيد حساباتنا في تقليل الاعتماد على النفط، ونشمّر عن سواعد الجد لبناء الاقتصاد الوطني حكومة وشعبا مجتمعين على تجاوز آثار مثل هذه الأزمات.
فبلا شك إن الإدارة المالية من أصعب العلوم وأعقدها سواء على مستوى المنازل أو الشركات والمنظمات، فما بالك بالدول، وهذه حقيقة يجب أن نعيها، ونعمل مع الجهات المختصة على إنجاحها من خلال العديد من الخطوات التي يجب علينا في بداية الأمر تعزيزها لما تشكله من دور في تشكيل سلوكنا الاستهلاكي المتزايد في الإنفاق غير الضروري أو المبالغ فيه سواء كانت جهات أو أفرادا، فأوّلًا لا بد من التكيف مع المتغيرات المحلية والعالمية التي نشهدها بالإيجابية التي تجعلنا نقلب الأزمات والتحديات إلى فرص للتغلب عليها وليس إلى البكاء والعويل نتيجة ما سببته لنا بعض الآلام.
فالشعوب الحية هي القادرة على المضي في الدروب الصعبة وفي الأوقات العصيبة عليها، وثانيا لا بد من التعاون في تنفيذ هذه الإجراءات المالية الهادفة إلى الوصول إلى بر الأمان بالمالية العامة للدولة وعدم تعريضها للاهتزاز، والارتكان للغير من خلال القروض الداخلية أو الخارجية ورهن أنفسنا للآخرين، بل يتطلب منا جميعا اقتراح آليات جديدة لمساعدة الدولة في الخروج من نفق الأزمة واقتراح إجراءات جديدة وتفعيل إجراءات أخرى تهدف إلى زيادة الإيرادات غير النفطية، وثالثا المضي في سياسات تنويع مصادر الدخل في البلاد والاستفادة من الموارد الطبيعية غير النفطية وتعظيم الاستفادة منها بشكل كبير، فهذا ما يتطلبه العمل الوطني في المرحلتين الراهنة والقادمة.
إن الدولة لم تبخل على أبنائها طوال الخمسة والأربعين عاما الماضية من عمر النهضة في البلاد، فكل ما تحقق على هذه الأرض الطيبة من نقطة الصفر لا داعي للتذكير به، لأن الكل على علم ووعي به، واليوم عندما نتعرض لأزمات كغيرنا يجب أن نلتفّ حول الحكومة لتجاوزها والعبور إلى بر الأمان، واعتبارها من السنوات العجاف التي تمر على الأمم والشعوب، بل نعيد فيها حساباتنا وأولوياتنا، أو لتكون "رب ضارة نافعة " ‏ولا نبقى رهين جلد الذات وتبادل الاتهامات، وتنصيب أنفسنا خصما وحكما بدلا من المؤسسات المختصة في العمل الرقابي والقضائى التي يجب أن نثق بأدائها وعملها أيضا كأحد أركان دولة المؤسسات والقانون التي تقف شامخة.
إن الإجراءات المتخذة حتى الآن ليست صعبة ولا تشكل تأثيرا سلبيا على توفير الحياة الكريمة للمواطنين التي التزمت بها الحكومة منذ انطلاقة النهضة المباركة وماضية فيها والحمد لله، وإنما هي اتخذت إجراءات أشبه بالكمالية لتهذيب بعض المصروفات غير الضرورية ولا تشكل أهمية، وإعطاء إشارة صفراء للفرد والمجتمع بأن يراعوا المصروفات ويخفضوا النفقات غير الضرورية منها ويعيدوا هيكلة مشترياتهم.
فالهيكلة المالية للإجراءات وترشيد الإنفاق بالطبع ستوجه للمجالات الأكثر أهمية وضرورة كالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والكهرباء والمياه والأمن والدفاع، هذه القطاعات يجب أن نحرص على أن تبقى من الأساسيات التي ندعمها باستمرار مع الحكومة باعتبارها تشكل منطلقات أساسية للحياة الكريمة التي توفرها الحكومة بالتمام والكمال لكل فرد يعيش على هذه الأرض الطيبة، وعلينا الإسهام في الحفاظ عليها من خلال توفير أوجه الدعم التي يمكن أن نقلصها من بعض الخدمات أو نساند في تنفيذ الآليات الجديدة لخدمة هذه القطاعات الرئيسية.
نأمل أن تكون هذه الإجراءات وغيرها خطوات لتشكيل سلوكياتنا الاستهلاكية على مستوى الفرد والمجتمع، والجهات الحكومية، وأن نحافظ على ما تحقق من منجزات بكل الطرق كمكتسبات ‏وطنية تحققت من أجل كل مواطن ومقيم على هذه الأرض الطيبة في عهد النهضة المباركة التي قادها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله.