ذهب من «حي الزبالين»

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٠/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
ذهب من «حي الزبالين»

باميلا كسرواني

«مش عارفة حياتي كان سيكون شكلها إيه بصراحة لو لم أدخل الجمعية»، بهذه العبارة تضحك سامية وديع وتلخّص كيف تبدّلت حياتها قبل 30 سنة عندما تعرّفت على جمعية حماية البيئة من التلوث التي تعمل في مختلف المشاريع في ما يسمى «حي الزبالين» في القاهرة.

وتتابع قائلة «أعيش في المقطم. عندما دخلت الجمعية، «يدوب كنت بفك الخط». تعلمت في الجمعية ثم دخلت الإعدادية وتعلمت العمل على الكمبيوتر وأتقن القليل من اللغات وحتى أنني سافرت إلى فرنسا والصين وأتعامل مع ناس مهمين. باختصار، تعلّمت كل حاجة بفضل الجمعية».

سامية البالغة من العمر 52 سنة تعيش في «حي الزبالين» وأصبحت اليوم مسؤولة عن قسم نسج السجاد وعمل الباتشورك في الجمعية ومسؤولة عن 100 منتجة وموظفة.
هي مثال واحد عن مئات الفتيات والسيدات من مجتمع العاملين في النظافة أو جمع القمامة واللاتي تغيّرت حياتهنّ رأساً على عقب بعد أن دخلن الجمعيات غير الحكومية ومن ضمنها جمعية حماية البيئة من التلوث.
فعلى مدار عقود، ظلّ مجتمع عاملي النظافة في القاهرة مهمّشاً يعيش تحت وطأة الفقر والقمامة ويرزح تحت ثقِل الصورة النمطية التي يضعها المجتمع ألا وهي «الزبّال، هذا الفرد المقزز وصاحب الملابس الكريهة وجامع القمامة».
مؤخراً، أفاد تقرير لمجلة فوربز أنه «في حي الزبالين، تتحوّل القمامة إلى ذهب داخل هذا المجتمع المهمش» بالإشارة إلى القدرة الهائلة لهذا الحي في منطقة «منشية ناصر» على إعادة تدوير النفايات بمعدل يتجاوز الشركات المتخصصة في هذا المجال. ويقدر عدد العاملين في «حي الزبالين» بين 30 و70 ألفاً يقومون بجمع 40% من قمامة القاهرة أي حوالي 15 ألف طن يومياً، ويعيدون تدوير 80 إلى 85% منها، نسبة تتجاوز أربعة أضعاف الكميات التي تقوم الشركات التقليدية بفرزها.
هذه القدرة لاقت صداها مع السلطات الحالية التي أدركت أهمية العمل الذي يقوم به عاملو النظافة؛ فبادرت إلى تسهيل تسجيل العديد من شركات تدوير النفايات الرسمية في «حي الزبالين». وقد وصل عدد الشركات التي تم تسجيلها عام 2013 إلى 44 شركة يعمل فيها أكثر من 100 شخص.
قد يكون اهتمام السلطات المصرية بـ»حي الزبالين» حديثاً إلا أن هذا الحي قد جذب اهتمام وانتباه بعض الجمعيات التي عملت منذ عقود على تحسين حياة عاملي النظافة وتوفير الخدمات التعليمية والاجتماعية والصحية لهم إضافة إلى تدريبهم على تحويل جمع القمامة إلى عمل يدرّ عليهم بدخل لهم ولعائلاتهم.

من هو مجتمع عمّال النظافة؟

جامعو النفايات أو عمال النظافة هم أحفاد مزارعي الكفاف الذين هاجروا من صعيد مصر إلى القاهرة في الأربعينيات. وتوافد المزارعون على مدار السنوات إلى القاهرة سعياً لفرص الرزق وهرباً من سوء أداء المحاصيل وشدة الفقر ليستقرّوا في مساكن مؤقتة حول العاصمة. وواصل هؤلاء الوافدون نشاطهم التقليدي ألا وهو تربية الماشية، وحاولوا أيضاً البحث عن أنشطة أخرى.
واندمج مجتمع عمال النظافة الوافدين من الصعيد مع «أهل الواحي» أي سكان الواحات في الصحراء الغربية، هؤلاء وصلوا إلى القاهرة في بدايات القرن العشرين حيث وجدوا لهم عملاً يتمثل في ترتيب وجمع المخلفات المنزلية من أنحاء المدينة. وتعاون الجميع على جمع وفرز القمامة. وهكذا، استطاع عمال النظافة كسب قوتهم بفضل فرز النفايات المنزلية وبيع الأشياء القيمة منها في حين تحوّلت المخلفات الحيوية مصدراً لتغذية الحيوانات التي يقومون بتربيتها.
هذا التحوّل نحو إعادة فرز النفايات كان يبدأ مع الفجر حيث كان العمال يستخدمون عربات تجرها الحمير من أجل التنقل من منزل إلى آخر في العاصمة وقد استبدلت هذه العربات في الثمانينيات بشاحنات النقل. وبعدها، يقوم كل عامل نظافة من منزله الواقع أسفل منحدرات المقطم في الطرف الشرقي للقاهرة، بفرز النفايات في مجموعات مختلفة ثم بيعها فيما بعد لأسرٍ أخرى أو للشركات التي تقوم بإعادة تدويرها. وعادة ما تتم عملية الفرز والتصنيف في المنزل بواسطة النساء والفتيات وهي ممارسة كانت تؤدي إلى أمراض عديدة مثل التيتانوس والكبد الوبائي إضافة إلى ارتفاع معدلات وفيات المواليد.

تحويل النفايات إلى ذهب

عمليات إعادة الفرز اتخذت منحىً مختلفاً بمساعدة المنظمات غير الحكومية، بما فيها «جمعية حماية البيئة من التلوث» التي استحدثت منشآت من أجل إعادة فرز البلاستيك والمخلفات العضوية وأيضاً لصناعة المنتجات المتنوعة وتوفير الخدمات من أجل الارتقاء بحياة جامعي النفايات كأفراد ومجتمع.
وتعود بنا سعادة جريس، رئيسة مجلس إدارة «جمعية حماية البيئة من التلوث»، إلى بداية عمل الجمعية التي كانت من الأوائل الذين اهتموا بمجتمع عمال النظافة عام 1984 وتخبرنا «انطلقت الجمعية «علشان خاطر مجتمع الزبالين الفقير جداً». فكلهم نازحين من الصعيد يربّون الحيوانات وحياتهم كانت عبارة عن جمع القمامة من المنازل ثم جلب المخلفات العضوية ورميها للحيوانات التي يملكونها وكنّا نفكّر بطرق لمساعدتهم».
وبالتالي، قررت الجمعية البدء مع النفايات العضوية وإعادة تدويرها من أجل إنتاج سماد جيد. وهنا تخربنا جريس «كانت المنطقة خالية من السكان فاشترينا أرضاً من وزارة الشؤون وبنينا مصنعاً لإنتاج السماد العضوي بحيث كان العمال يجلبون لنا القمامة العضوية المتراكمة لديهم لنُعيد تدويرها».
وتُخبرنا جريس أن كل هذا العمل يقوم على أكتاف عمال النظافة لاسيما النساء منهم حيث يتمّ تدريبهن وتعليمهن من أجل تأدية عملهن، أكان في موقع الجمعية أم في المنزل. وتتابع «لدينا مجموعة من النساء يقمن بتدريب النساء المنتجات في المنازل اللاتي يبلغ عددهن حالياً 250 امرأة ويتقاضَين المال مقابل منتجاتهنّ في حين أن الجمعية تضم أكثر من 150 موظفاً براتب ثابت».
رسالة جمعية حماية البيئة من التلوث تركّز على نشر ثقافة إعادة تدوير النفايات وتحويلها إلى مصدر عيش إلا أن جريس تشددّ «هذا ليس كافياً لأن المجتمع يحتاج إلى خدمات تعليمية وصحية»، من أجل تنمية متكاملة وبيئة أفضل.

التنمية المتكاملة واجب

ولذلك، نوّعت الجمعية برامجها التي تستهدف تمكين النساء باعتماد مقاربة شمولية، على حد قول جريس أي تحديد الاحتياجات كاملة من الصحة والتعليم وفرص العمل.
وتطلعنا جريس «أطلقنا برنامج «تعلم وتكسب» من أجل إكساب النساء بعض المهارات التي من شأنها تمكينهنّ لتحسين ظروفهنّ المعيشية. نعلمهنّ القراءة والكتابة ونعمل على محو الأمية لأن ذلك يساعدهنّ على تعلم المهارات مثل نسج السجاد على النول والحِرف الورقية واليدوية».

وهنا تخبرنا حنان سعدالله يواقيم، منسقة مشاريع التعليم التي بدأت العمل مع الجمعية قبل 16 عاماً «أعمل على برامج محو الأمية مع الفتيات بدءاً من عمر 16 عاماً وألاحظ التغيير من خلال علاقتهنّ مع أطفالهن وإخوتهنّ وأزواجهن».

وتولي الجمعية أهمية كبيرة للأطفال حيث توفر العديد من البرامج والأنشطة، بدءاً ببرنامج محو الأمية مروراً بالحضانة لأكثر من 500 طفل تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر إلى أربع سنوات وصولاً إلى نادي الأطفال وهو عبارة عن فصول تمهيدية للأطفال بين 4 و6 سنوات حيث يساعدهم لاحقاً على الالتحاق بالتعليم الابتدائي في المدارس الرسمية.
أما الخدمات الصحية، فتقول جريس إنها متنوعة «مثل اللقاحات وحملات التوعية والوقاية من السكري وأمراض الدم المعدية كالكبد الوبائي «بي» و«سي» المنتشرة وسط عمال النظافة».
ورغم وجود العديد من الرجال الذين يستفيدون من أنشطة الجمعية إلا أن جريس تشدد على أهمية التركيز على النساء «لأنهنّ عندما يستفدن يستطعنَ التأثير بأزواجهنّ من ناحية متطلباتهنّ وحقوقهنّ. فتصبح المرأة مدركة أنها تملك حقوق كما أنها تعلّم أولادها وترفض أن تبقى بناتها في المنزل».
وحتى الآن، أكثر من 80 % من النساء اللاتي في المجتمعات الأكثر تهميشاً في القاهرة قد استفدن بشكل مباشر أو غير مباشر من برامج جمعية حماية البيئة من التلوث.

متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية