أليشيا بولر
في العام 2016، أفادت الحكومة المصرية أن معدل الباحثين عن العمل في الفئة العمرية بين 15-29 سنة بلغ 27,3 في المئة. وبلغ المعدل للذكور نسبة 21 في المئة، في حين أن ما يقرب من نصف الإناث (46,8 في المئة) من نفس الفئة العمرية باحثات عن العمل.
وفي الوقت الذي تعمل فيه الحكومة على التصدي للتحدي المزدوج المتمثل في الموارد المستنزفة والاضطرابات السياسية، لا يتضح المسار المستقبلي لشبابها وافر العدد والنابض بالحياة والحاصل على درجة عالية من التعليم. ورغم ذلك، أو ربما بسبب ذلك، لا يتوقف رواد الأعمال الموهوبون واسعو الحيلة في القاهرة عن السعي إلى التغيير بالاستعانة بالمنظمات الشعبية التي تهدف إلى تحفيز إمكانات الشباب الهائلة في المدينة.
أحمد العطار هو مؤسس الأكاديمية والنادي المسرحي الأكثر شهرة في القاهرة، «مؤسسة ستوديو عماد الدين». قبل ما يزيد بقليل على عشر سنوات، قام الكاتب المسرحي والمخرج الشهير بإنشاء المؤسسة وقرر أن يستغل خبرته المعتبرة في المسرح العالمي على نطاق أوسع في المجتمع من خلال توفير مساحات لعمل بروفات العروض والتدريب وحلقات العمل لإعداد الممثلين الشباب الواعدين.
ويقول أحمد العطار في هذا الخصوص: «درسنا صناعة فنون الأداء وحاولنا معرفة أي القطاعات بحاجة إلى دعم، على سبيل المثال، تصميم الإضاءة أو تصميم مواقع التمثيل أو الرقص المعاصر، والتي بدأت تنتشر في السنوات العشر الفائتة.
بالنسبة للعطار، كانت تجربته الخاصة مع ضعف مرافق الفنون في البلد هي التي دفعته لمحاولة تحسين الفرص للممثلين الواعدين. وعلى مدى العقدين الفائتين، عانى أحمد بنفسه محدودية التمويل، وفقر مرافق البروفات والتدريب، وضعف الشبكات المهنية. ويقول عن ذلك: «أعتقد أن الفن هو أهم عنصر في التنمية المجتمعية. وأنا أركز على الفن، وليس التنمية، لأن الفن هو الذي يتيح التنمية ويجعلها ممكنة، فمن لا يملك أي طموح في الحياة ولا أمل أو يعاني الاكتئاب التام، يمكن أن يرتقي بالفن».
ويعتقد أحمد العطار أنه من خلال مشاهدة العروض المسرحية والمسرح التعبيري، يمكن تقديم وجهات نظر جديدة في خضم أحداث سياسية واجتماعية كثيرا ما تثبط الهمم في القاهرة.
يضيف أحمد: «إن ذلك يمنح الشباب طريقة جديدة للنظر إلى العالم بطريقة مختلفة، حتى في أصعب الأوقات. ففي الأوقات العصيبة سياسيا واقتصاديا، يبحث الناس عن شيء آخر، إنهم يريدون الخروج من ذلك الوضع دون وعي، إنها غريزة البقاء والاستمرار. لذلك فإن الرقص، والغناء، والاستماع إلى الموسيقى، ومشاهدة الأفلام كلها غرائز للبقاء والاستمرار.
حقق مسعى ستوديو عماد الدين نجاحا باهرا بكل المقاييس، فاليوم تضم المؤسسة 2,300 عضو يدفعون حوالي 2 دولار سنويا مقابل الوصول إلى قاعات وعروض وموارد ستوديو عماد الدين. وبحسب موقع المؤسسة: «رسالتنا هي إيجاد مناخ فني وثقافي محايد وبديل، مناخ يوسع قاعدة صناعة الفنون ويساعد فناني الأداء المستقلين في مصر في الاستمرارية من خلال تطويرهم وإعدادهم وربطهم بالعالم الخارجي».
ويعتبر أحمد الشباب والتنوع في مؤسسته رمزا لإمكانية التغيير الإيجابي الذي تكمن بذوره في أجيال مصر الشابة. فمن بين أعضاء ستوديو عماد الدين، حوالي 65 في المئة دون سن الخامسة والعشرين وحوالي 40 في المئة منهم إناث. فيقول أحمد: «نحن جزء من مجتمع الشباب، والمؤسسة تصبح أكثر شبابا وانفتاحا على العديد من الأشياء. فلا بد من أن تصدر حكاية بديلة عنا».
والجدير بالذكر أن مؤسسة ستوديو عماد الدين تدير مهرجانا ومختبر البقية تأتي، وهو برنامج توجيهي ومهرجان للمواهب الواعدة، ويُعتبر أحد منتجي مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة D-CAF. أطلق أحمد العطار مهرجانا وسط البلد للفنون المعاصرة في العام 2012 كفعالية سنوية متعددة المجالات وتستغرق ثلاثة أسابيع وتنعقد في أماكن مختلفة في وسط مدينة القاهرة. ويشرح أحمد لنا أن ستوديو عماد الدين يدرب ويجهز الكثير من أصحاب المواهب الذين يشاركون في نهاية المطاف في مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة.
كما يقول أحمد إنه كان لمبادراته الشعبية تأثير ملموس على عدد من مرتادي المسرح في القاهرة. فيقول: «لقد شهدنا زيادة في الحضور في مختلف المؤسسات على مدى السنوات القليلة الفائتة. ومن أمثلة ذلك مسرح الفلكي، ففي العام 2015، كان إجمالي عدد حضوره 3,500 شخص، هو مسرح يسع 200 مقعد وحسب، أي محدود الحجم، ولكن في العام 2016، تجاوز جمهوره 13,000 شخص، وهذه زيادة ضخمة! شهدنا ذلك في مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة أيضا، هناك زيادة ضخمة في عدد حضور المهرجان كل عام.
كما تتولى مبادرة مؤسسة ستوديو عماد الدين، التي تمولها الحكومة جزئيا وتطرح نفسها كمؤسسة اجتماعية، مهمة «لم شمل الناس عندما يحاولون الانقسام»، على حد تعبير أحمد العطار.
ويستطرد أحمد: «إن أكثر الأعمال الفنية ثورية لا تمت للسياسة بصلة، فالقيم التي تحملها هي الأهم. وفي الأوقات التي تبدأ فيها المجتمعات بالانغلاق على نفسها والنظر إلى الآخر على أنه عدو أو مصدر خطر -وهو ما نراه الآن في جميع أنحاء العالم- تكون الحاجة الماسة إلى الفن».
متخصصة في مواضيع الأعمال والتكنولوجيا