مأساة اليمن.. ولعبة القوى الكبرى

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٦/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٠٧ ص
مأساة اليمن.. 
ولعبة القوى الكبرى

علي ناجي الرعوي

أصداء الحرب في اليمن وجحيم مآسيها الذي أثقل كاهل السواد الأعظم من اليمنيين يبدو أنها من كسرت أخيرا حاجز التعتيم الإعلامي والإهمال والصمت الدولي المريب لتصل وبعد عامين بتفاصيلها الجارحة ويومياتها الملطخة بسواد العنف وشراسة التدمير والقتل الأعمى إلى الضمير الإنساني الذي اهتز لهول هذه المأساة وتداعياتها والكوارث الناجمة عنها والتي حولت حياة شعب يتكون تعداده من 28 مليونا إلى معضلة إنسانية وأخلاقية وكابوس لا يطاق وجعلت بلدا بأكمله مجرد كومة من الأطلال تعجز اللغة عن وصفها.

لأكثر من عامين أو بتعبير أدق منذ فجر 26 مارس 2015 جرت دماء كثيرة في اليمن وشهد ملف الحرب في هذا البلد العديد من التحولات الدرامية لكن وبعيدا عن تلك التحولات فإن المدنيين هم من ظلوا يدفعون بطرق مباشرة وغير مباشرة تبعات هذه الحرب التي تخوضها قوات التحالف العربي بقيادة السعودية تحت غطاء إعادة شرعية الرئيس هادي الذي انقلبت عليه جماعة أنصار الله وحلفائها من محور صنعاء إلى جانب هدف هذا التحالف في إيقاف التمدد الإيراني باليمن الذي يشكل الخاصرة الجنوبية لدول الخليج.. ومما لا شك فيه فقد تنوعت الأثمان المدفوعة هنا ما بين أعداد الضحايا الذين يتساقطون جراء استمرار العمليات العسكرية وأعداد المشردين الذين هجروا عنوة من منازلهم ومناطقهم سواء إلى خارج البلاد أو إلى مناطق جديدة في الداخل وما بين الحصار الجائر على الموانئ والمطارات وتفشي عوامل الفقر والجوع واستشراء الأوبئة والأمراض التي تحصد يوميا المئات وبالذات من الأطفال بفعل انهيار النظام الصحي وانعدام الغذاء ووسائل الرعاية في حدها الأدنى ناهيك عن أن الحرب قد أسهمت بشكل أو بآخر في استنساخ نماذج سيئة من الجيوش والمليشيات الفئوية بمسمياتها الجهوية والحزبية والمذهبية والتي أضحت تخوض معاركها في الجبهات في نطاق تلك الولاءات مما أدى إلى خلخلة النسيج الاجتماعي وإحداث انقسامات حادة في جدار الوحدة الوطنية وإظهار اليمن على شكل كنتونات تضمر الأحقاد والبغضاء لبعضها البعض.

هذه الصورة الملبدة بالغموض والتناقضات كانت غائبة أو مغيبة عن معظم المجتمعات الإنسانية بفعل التعتيم الإعلامي وعدم اكتراث الفاعلين الدوليين بما يجري ويعتمل على الساحة اليمنية خصوصا أن أولئك الفاعلين وبالذات الدول الدائمة في مجلس الأمن ظلت تحكمها البراغماتية والنزعة المصلحية التي تجعلها تغير مواقفها وأحيانا المبادئ التي تنادي بها طالما وذلك يخدم أطماعها والأهداف التي تسعى إليها وبالتالي فهي من استمرت تراوح في مواقفها هذا إن لم تنحاز في كثير من الحالات إلى رغبات حلفائها الذين يصفون حساباتهم مع إيران أو غيرها من خلال هذه الحرب ولعل ذلك هو ما قد يدفع إلى التساؤل: وما الذي تغير إذن؟
قد يكون من المفارقة أنه وفي الوقت الذي لم يكن أحد من هؤلاء الفاعلين الدوليين يعبأ بتداعيات الحرب الضارية التي تلتهم البشر والحجر في اليمن فقد جاءت صرخة مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ستيفن اوبراين في العاشر من مارس الجاري صادمة لبعض أولئك الذين لم يكونوا يتوقعوا من هذا المسؤول الدولي البارز مثل هذه الشجاعة التي بددت ذلك الصمت الفاضح تجاه مأساة اليمن بالذات وهو من وصفها بأكبر مأساة إنسانية يشهدها العالم اليوم وزاد الأمر إحراجا للجميع أمام جردة الحساب الأمينة التي عاد بها الرجل من زيارته التي قام بها مؤخرا إلى اليمن ومكنته من التنقل بين مناطقه ليشاهد بأم عينيه الحصاد المر الذي يتجرعه اليمنيين بفعل تلك الحرب مما دعاه ليخاطب الضمير العالمي بمرارة ذلك الواقع الذي تفوح منه رائحة الموت وويلات التشرد والفقر والجوع.
للأمانة فقد كان ستيفن اوبراين دقيقا وهو يتحدث أمام مجلس الأمن عما رآه من مشاهد مؤلمة في اليمن وكان جريئا أكثر وهو يقول: إن كارثة اليمن هي أسوأ من كوارث كثيرة لامستها في الصومال وفي مناطق أفريقية أخرى، ومن المعيب أن تصل دولة تاريخية بحضارتها وثقافتها إلى هذا المنزلق الخطير في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين وهي عبارات كان لها ما لها وعليها ما عليها فقد حشرت الجميع في زاوية المسؤولية الأخلاقية مما حدا بسفير إحدى الدول غير الدائمة إلى الالتفات إلى نائبة السفير الأمريكي بمجلس الأمن والتحدث إليها بالقول: هناك حرب وهناك ضحايا وهناك شاهد على محنة إنسانية تواجه شعبا تمتحن لديه غريزة البقاء بصورة مخجلة وهو الأمر الذي قاد تلك الدبلوماسية الأمريكية للرد على ذلك الكلام أمام مجلس الأمن عن طريق دعوتها للجميع بضرورة القيام بواجباتهم في إيقاف حرب اليمن والضغط على جميع الأطراف للعودة إلى طاولة الحوار.
غني عن البيان أن إيقاف هذه الحرب يرتبط ارتباطا مباشرا برغبات العديد من الأطراف الإقليمية وحلفائهم الدوليين، وإنه إذا ما تجاوزنا التصريحات الروسية وكذا الفرنسية ونائبة المندوب الأمريكي في مجلس الأمن التي تظهر مستوى من التفاعل مع تحذيرات ستيفن اوبراين مساعد الأمين العام للأمم المتحدة سنجد في المقابل أن التمثيل المتدني الذي ظهر فيه اجتماع اللجنة الرباعية الدولية التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات والذي انعقد يوم الاثنين الفائت في إحدى الغرف المطلة على نهر التايمز بالعاصمة البريطانية بمشاركة سلطنة عُمان قد جاء بنتائج معاكسة إذ أن تخفيض تمثيل الحضور في هذا الاجتماع إلى مستوى سفراء الدول الخمس الممثلين في اليمن بعد أن كان مقررا انعقاده على مستوى وزراء الخارجية قد أطاح بكل آمال اليمنيين الذين استشعروا أن هناك خلافا بين الدول الأربع تجاه المقترحات المطروحة في خارطة الطريق التي تتبناها الأمم المتحدة لوقف العمليات العسكرية واستئناف المفاوضات المباشرة وأنه ليس هناك أي تحول جوهري في مواقف الدول الكبرى وتحديدا الولايات المتحدة التي يبدو أنها ما زالت تميل إلى التكسب من وراء هذه الحرب عن طريق الصفقات العسكرية مع أنه لا يعوزها الإدراك من أن استمرار الحرب من شأنه أن يعيق عملياتها التي بدأتها في اليمن ضد تنظيم القاعدة هذا إن لم يؤد إلى إفشال تلك العمليات.
عموما يمكن القول إنه ورغم ما أظهرته التحذيرات والتفاعلات الدولية من تنامي القلق تجاه الكارثة الإنسانية التي تحيق باليمن وشعبه فإن الوضع في هذا البلد سيبقى على الأرجح معلقا بما سينتهي إليه لقاء ولي ولي العهد السعودي بالرئيس الأمريكي في واشنطن الخميس، خصوصا أن اهتمام إدارة الرئيس ترامب ينصب الآن على توسيع النفوذ في اليمن والسيطرة على باب المندب الذي يربط التجارة بين الشرق والغرب وبما يمكن هذه الإدارة من الضغط على الصين التي تظهر تغرد خارج حسابات الإدارة الأمريكية الجديدة.

كاتب يمني