علاج (خالتي قماشة)

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٦/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٠٦ ص
علاج (خالتي قماشة)

جمال زويد

أتاحت أجهزة التقنية الحديثة إمكانيات وخدمات لم تكن متوفرة أو بالأخص كان من الصعب أن يخطر على البال أن تستخدم بكل هذا اليسر والسهولة. ومن تلك الخدمات أجهزة وبرامج المراقبة أو التنصت والتجسس التي كانت فيما مضى مرتبطة بشخصية جيمس بوند وبعدها المحقق كونان وبعض الشخصيات السينمائية الهوليودية، وبالطبع تلجأ إليها الأجهزة العسكرية ومراكز الاستخبارات الأمنية قبل أن تكتسح الثورة الإلكترونية هذا الاحتكار، فتصبح هذه الأدوات في متناول أي شخص يرغب في اقتنائها لمراقبة الآخرين والتنصت عليهم واقتحام حرماتهم الخاصة.

وكلنا يتذكر المسلسل الكويتي الكوميدي الشهير(خالتي قماشة) التي زرعت كاميرات مراقبة في غرف زوجات أبنائها في بيتهم (العود) لتكون على اطلاع -بالصوت والصورة- على كامل تحركاتهم وخططهم، والتعرف على همساتهم عنها والتقاط أسرارهم واكتشاف المخفي من سكناتهم، وكان سيناريو المسلسل وأحداثه يدور بشكل لا تنقصه الكوميديا التي استمتعنا بها قبل بضع سنوات، لكنه -مسلسل خالتي قماشة- الآن صار شبه واقع يتحدث عنه البعض في الكثير من المواقع والمواقف كأنه أمرا اعتيادياً، حيث تم تخفيف الاستعانة بالطريقة التقليدية المعتمدة على المخبرين والجواسيس والوشاة وناقلي الكلام والمنافقين والمتمصلحين و... إلخ، والاستعاضة عنها بمثل هذه الأجهزة المتقدمة، والتي يمكن أن تكون متناهية الصغر أو أنها على شكل برامج في الهواتف الذكية، تنقل ما يدور حتى في داخل المؤسسات والبيوت، وتطلع على أسرار وأحاديث الموظفين والموظفات في مواقع أعمالهم والطلبة في قاعات محاضراتهم، فيقضي هذا المسؤول أو ذاك جلّ وقته في متابعة هذا السوء الذي صنعه.

بل وأصبح البعض يلجأ إلى تسجيل لقاءاته واجتماعاته دون علم الآخرين سواء من هاتفه أو أجهزة أخرى، وبعضهم يتذاكى في سرية التسجيل حتى لا يشعرون به، ثم يكتشف أن من كانوا معه قد سجّلوه أيضا! وفقاً للقاعدة المعروفة (من ينقل لك، ينقل عنك) فيصبح المكان موبوء ومحل ريبة وفاقد للثقة من جميع الذين داخله.
وأدّى تزايد الانجراف في استخدام تلك الوسائل إلى اقتحام الحياة الخاصة للناس بشكل فجّ، وبات التصوير والتسجيل حتى بدون استئذان، وأصبحت حتى الحوادث -صغيرها أو كبيرها- بضحاياها ومصابيها، وزبائن المطاعم والمحلات، ومرضى المستشفيات ومرتادي الأسواق والمجمعات التجارية و... إلخ، هي كلها (برودكستات) مباحة يتناقلها الجميع دون وازع أخلاقي أو مجتمعي يراعي الخصوصية.

قد يكون بعض ما يجري تناقله في هذا الصدد حقيقيا أو مبالغا فيه أو أنه على طريقة الكوميديا في مسلسل (خالتي قماشة) لكن في كل الأحوال يجب الحذر خاصة في زمن تزايدت فيه العُقد وتعاظم الفراغ وتضخمت أمراض الشعور بالنقص وعدم الثقة في النفس. وكذلك الحذر مطلوب لأن التكنولوجيا الحديثة تقول: انتبه قد تكون أنت مراقب، فأجهزة التنصت أصبحت في متناول اليد. ومهما بسّطنا الموضوع، فإنه في نهاية الأمر يُعدّ (تجسّسا) ويكون ضمن الأفعال التي يجرّمها القانون فضلا عن حرمتها الشرعية وتجاوزها الأخلاقي. وفي هذا السبيل فقد أصدر صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر الشقيقة خلال الأسبوع الفائت، القانون رقم «4» لسنة 2017، بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات المعمول به هناك، حيث اختص هذا التعديل بتحديد عقوبة (الحبس مدة لا تتجاوز سنتين، وبالغرامة التي لا تزيد على (10.000) ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين) لكل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للأفراد بارتكاب الأفعال التالية، وهي: 1- فض رسالة أو برقية خاصة موجهة لغيره من الأفراد. 2- استرق السمع في مكالمة هاتفية. 3- سجل أو نقل محادثات جرت في مكان خاص عن طريق جهاز أياً كان نوعه. 4- التقط أو نقل صوراً أو مقاطع فيديو لفرد أو أفراد في مكان خاص عن طريق جهاز أياً كان نوعه. 5- التقط أو نقل صوراً أو مقاطع فيديو لفرد أو أفراد في مكان عام، عن طريق جهاز أياً كان نوعه، بقصد استخدامها في الإساءة أو التشهير. 6- التقط أو نقل صوراً أو مقاطع فيديو للمصابين أو المتوفين في الحوادث، عن طريق جهاز أياً كان نوعه، في غير الأحوال المصرح بها قانوناً».
وأتوقع أن مثل هذا القانون هو في الطريق الصحيح لحماية حرمات الناس وخصوصياتهم ووقايتهم من شرور المتطفلين وأمثال (خالتي قماشة).

كاتب بحريني