غازي السعدي
فأجأ وزير الجيش الإسرائيلي "أفيجدور ليبرمان"، من تحذير البيت الأبيض، بتوجيهه تحذيراً مباشراً للحكومة الإسرائيلية، من أن أي عمل يقود لضم الضفة الغربية المحتلة إلى السيادة الإسرائيلية، سيقود إلى نشوب أزمة فورية مع إسرائيل، وقال "ليبرمان" -الذي كان من مؤيدي ضم الكتل الاستيطانية لإسرائيل، والتبادل السكاني- إنه يعارض الضم، لأن هذا يعني استيعاب (2.7) مليون فلسطيني ليصبحوا مواطنين، غير أنه يطالب بضم مناطق لفلسطينيي 1948، إلى الكيان الفلسطيني المقبل، وأوضح موقفه أن على إسرائيل الانفصال عن الفلسطينيين، وعدم استيعابهم في المناطق الإسرائيلية، ففي الآونة الأخيرة تقدم وزراء وسياسيون ونواب كنيست بمشاريع مختلفة لعملية الضم، حتى أن اللجنة الوزارية لشؤون التشريع، عاكفة على فرض السيادة الإسرائيلية على مستوطنة معاليه ادوميم، كخطوة أولى لضم مناطق "سي" التي تزيد مساحتها عن نصف مساحة الضفة الغربية، إضافة للمستوطنات للسيادة الإسرائيلية.
لقد جاء التحذير الأمريكي -إن كان جدياً، خاصة من قبل إدارة الرئيس "دونالد ترامب"- في الوقت المناسب، هذه الإدارة المؤيدة كلياً لإسرائيل، وتسجل مأخذا على إدارة الرئيس الأسبق "باراك أوباما"، الذي فشل في إيقاف نهب الأراضي الفلسطينية، والاستمرار في البناء الاستيطاني، فإسرائيل مستمرة بتشريع القوانين العنصرية، حيث كان قانون "التسوية" وتشريع البؤر الاستيطانية أخطرها، فإسرائيل بحكومتها اليمينية، لا تريد لا حل الدولتين، ولا الدولة الواحدة، وكل ما تريده الاستيلاء على الضفة الغربية بالكامل، غير أن التهديد الديموغرافي، والخوف من الأغلبية العربية في فلسطين من البحر إلى النهر، إذ بلغ عدد سكان إسرائيل حتى نهاية العام 2016، وفقاً لمعطيات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، ثمانية ملايين و(630) ألف نسمة، ويبلغ عدد اليهود من مجموع السكان ستة ملايين و(450) ألف نسمة، يشكلون 74.8 %، منهم مئات الآلاف يعيشون في الخارج، وخاصة في الولايات المتحدة، تشملهم معطيات دائرة الإحصاء وسجل السكان في إسرائيل، بينما عدد المواطنين العرب داخل الخط الأخضر بلغ مليونا و(796) ألفاً، يشكلون 20.8 % من مجموع السكان، وهذه الإحصائية تشمل مواطني القدس الشرقية، والسوريين في الجولان المحتل، فيما بلغ عدد غير اليهود أو غير المعرفين دينياً وهم بالأساس من المهاجرين الروس (384) ألفاً، يشكلون 4.4 %.
إن الميزان الديموغرافي وفقاً لجهاز الإحصاء الإسرائيلي، أن عدد الفلسطينيين المقدر في العالم، يبلغ حوالي (12.37) مليون فلسطيني، منهم (4.75) مليون في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يضاف إليهم 1.47 مليون داخل الخط الأخضر (منطقة الـ 1948)، وبحسب جهاز الإحصاء الإسرائيلي، فإن عدد السكان العرب واليهود سيتساوى قبل نهاية العام 2017، في فلسطين الكاملة، وستصبح نسبة اليهود حوالي 49.4 %، وأنه بحلول نهاية العام 2020 سيصل عدد اليهود إلى نحو 6.69 مليون مقابل 7.11 مليون عربي أي سيزيد عدد العرب عن اليهود.
إن ضم الأراضي الفلسطينية لإسرائيل، أدى إلى انقسام داخل المجتمع الإسرائيلي، في ضوء الإحصائيات السكانية، فمثل هذا الضم الذي يجد معارضة دولية، وإذا أصبح واقعاً حقيقياً، ستكون إسرائيل بين خسارتين، الأولى: منح الفلسطينيين الحقوق المدنية وحق التصويت والانتخاب في الكنيست وهذا ما تخشاه أوساط واسعة في إسرائيل، أما الثاني: عدم منحهم الحقوق المدنية وبخاصة الانتخابات، فستصبح إسرائيل دولة ابرتهايد رسمياً أمام العالم وفي المنابر الدولية، فيما يدعي المتطرفون من اليهود مؤيدي الضم، بأن الأساس الذي يستند إليه الصارخون من الميزان الديموغرافي زائف، وأن نمو السكان اليهود ومعدل الخصوبة والولادة لليهود أسرع من نمو العرب، وهذا غير صحيح فما زالت الخصوبة لدى العرب أعلى من خصوبة اليهود إذ تبلغ 4.9 % في الضفة الغربية بانخفاض قليل، و5.7 % في قطاع غزة، بينما بلغت الخصوبة لدى اليهود 4.1 % فقط.
المتطرفون اليهود الذين يشككون في هذه الإحصائيات، يتوقعون هجرة يهودية كبيرة لإسرائيل، كما حدث في التسعينيات من الاتحاد السوفيتي، وهم يتوقعون تدفق المهاجرين اليهود من الولايات المتحدة، وفرنسا، ودول أوروبية أخرى، فانتشار اللاسامية المزعومة في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، قد تكون مفتعلة، وتحركها الأصابع التي تعمل على تهجير أعداد كبيرة من اليهود لإسرائيل، بالادعاء أن إسرائيل هي الدولة الآمنة الوحيدة لهم، فـ "نتنياهو" في رسالة لزعماء العالم كتب لهم: اشجبوا اللاسامية أينما وجدت، مدعياً أنها موجة عنف ضد اليهود، تتزايد في الولايات المتحدة، فأساليب الحركة الصهيونية والوكالة اليهودية، لدفع اليهود إلى الهجرة لإسرائيل كثيرة، ومن يذكر حين وضعوا قنابل تنفجر وتحدث أصواتاً مرعبة، لكنها لا تقتل، وضعت في الكنيس اليهودي في العراق، لحمل يهود العراق على الهجرة لإسرائيل، وهذا ما حدث، ومن لا يعرف ذلك ليطلع على مذكرات "شلومو هليل" وبقلمه حيث إنه قاد عملية تهجير يهود العراق وهناك وسائل صهيونية أخرى للحد من الأغلبية العربية في فلسطين، عن طريق تنغيص حياتهم أكثر مما هي منغصة، حبسهم وتجويعهم، ومنعهم من العمل، وإبقاء بلداتهم بالظلام، وعرض المال عليهم من أجل تهجيرهم، فهذه الوسائل سبق أن مورست، والحذر من تكرارها.
"نتنياهو" المراوغ والذي يقود المشروع الاستيطاني، أعلن أنه لا يريد دولة واحدة، وهو يقول إنه لا يريد حكم مليوني فلسطيني وأنه ليس معنياً بأن يكونوا من رعاياهم، وفي نفس الوقت هو غير مستعد لمنحهم دولة مستقلة، فالمحللون الإسرائيليون يقولون إن إسرائيل باتت تعيش بين البحر والنهر، في دولة لا يهودية، ولا ديمقراطية، بل ثنائية القومية، فالتهديد الديموغرافي الفلسطيني، والخوف من أن يصبحوا أغلبية من البحر إلى النهر، دفع بمنظمة تحمل اسم" قادة من أجل إسرائيل"، وهي عبارة عن مجموعة كبيرة من كبار ضباط الجيش الإسرائيلي المتقاعدين، برفع صوتهم، خشية من البعبع الديموغرافي، ويرفعون شعار الانفصال عن الفلسطينيين، "يديعوت أحرونوت 22-1-2017"، أما "معهد الشعب اليهودي"، التابع للوكالة اليهودية، فقد جاء في تقريره السنوي نهاية العام 2016، التحذير من ولوج إسرائيل نحو حل الدولة الواحدة ثنائية القومية، لأن ذلك سينهي الطابع اليهودي لإسرائيل، فهذا المعهد من أبرز المعاهد الاستراتيجية الصهيونية التي تعمل في إطار الوكالة اليهودية.
وأخيراً هناك مجموعة من التساؤلات: هل أن إدارة "ترامب" جادة بدعم التسوية، وهذا يحتاج إلى تركيبة جديدة للحكومة الإسرائيلية، تحتاج إلى إجراء انتخابات مبكرة للكنيست، أم أن إسرائيل ستتملص وتناور وتخادع كعادتها من أية تسوية محتملة؟ ننتظر لنرى.
مدير دار الجليل للنشر والدراسات الفلسطينية