استعجلت الرحيل أبا حمد

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٣/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
استعجلت الرحيل أبا حمد

محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com/msrahby
alrahby@gmail.com

لا يحتاج الموت إلى مقدمات..
ولا الحزن.. له نهايات.
هكذا رحيل سالم بهوان يخطفنا على حين غرة ليقول لنا إن الموت حقيقة لا إشاعة، مهما حاولتم أيها الأحبة البقاء على جسر الأمل، ما تقوله شاشات الهواتف الذكية مجرد إشاعات غبية تستوجب الاستنكار، فكيف يأفل النجم المتوهج بالحياة هكذا فجأة.
اهتز هاتفي برسالة النعي الأولى آتية من مخرج قطري، قلت له حتما هي إشاعة كما يحدث في حياة النجوم.
وأعدت النظر في قوائم الرسائل، كانت آخر رسالة منه قبل ساعتين ونصف الساعة، كيف يمكن لقلب أن يتوقف ويتمكن الأطباء من نطق الكلمات الصادمة خلال هذا الوقت القصير نسبيا في عمر الأحياء، قائلين إن القلب المتسع على عالم من الحياة والعطاء توقف عن النبض..
كيف الضحكة التي فرح لها الهاتف قبل يومين وهو يسأل عن مكان إقامة عزاء معتذرا أنه في صور العفية ولن يتمكن من تعزية صديق مشترك.. كيف لها أن لا تعود إلى حياتنا ثانية، حيث أخذها الموت إلى حيث لا عودة؟!
أمضيت ساعات أقنع نفسي أن الموت إشاعة، الحياة هي الحقيقة، وأن (أبو حمد) سيتصل بي بعد قليل ساخرا من هذه النكتة المبتذلة التي أطلقها أحدهم، لم تقو أصابعي على الضغط على رقمه لأتصل به أو أرسل إليه، جبنت أن أكتشف خدعة الموت/خدعة الحياة بنفسي.
لم أكن أظن أنني سأرثيك بهذه السرعة، وأنني بدلا من أن أكتب عن عملك الفني المؤجل سأكتب عن رحيلك العاجل، وأنك استعجلت الرحيل يا صاحبي، مع أن الموت يأتي لا ساعة يتأخر ولا دقيقة يتقدم، حيث لكل أجل كتاب، وأنفاس المرء معدودة.
سأترقبه يأتي إلى مكتبي كما اعتاد نتحدث في تفاصيل مشروع مسرحي مشترك، ونفكر فيما أنجزه من خطوات لتنفيذ فيلمه المقبل جبرين بعد أن ينهي الصديق المشترك د. سعيد السيابي كتابة سيناريو روايته "جبرين وشاء الهوى" ليقترب هذه المرة من محافظة الداخلية، كما أخبرني قبل أسبوعين، بعد أن صوّر البيئة البدوية في مسلسل ود الذيب، وفيلمين عن الحياة في محافظتي ظفار ومسندم، موثقا سينمائيا لغتين مهمتين في أجندة الزمن العماني.
قبل عشرين عاما كان الفنان سالم بهوان يجسد على الخشبة شخصية الشيخ في أول نصوصي المسرحية، حينها اقتربت من فنان متواضع، أحب الفن، وهو من بيت جاه ومال، يعطيه من الوقت والجهد ما يؤكد قدرة الإنسان على مجابهة الصعاب وتحديها للوصول إلى أحلامه.
حين آويت إلى فراشي الناعم تذكرت أن صاحبي أبا حمد ينام في مقبرة العامرات، تضاءلت روحي كثيرا، صغرت الحياة أمام عيني حتى كدت لا أراها، نعيت نفسي إذ نعيت الراحل، بكيت نفسي إذ بكيت أبا حمد..
رأيت المعادلة حينها على حالتها الصادمة: الموت هو الحقيقة، الحياة هي الإشاعة.