زمن.. آيل للسقوط

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٢/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٣٨ ص
زمن.. آيل للسقوط

محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby

بحكم التعود.. أقرر أن لا أشتري المزيد من الكتب، وحيث لا يبدو أن البحر يحتاج إلى «جحلة» إذ تفيض مكتبتي المنزلية بما يتراكم من كتب فوق رفوفها، تنتظر قارئا لا يلقي على الوقت حجته الهشة، إنما بين الكتب ما يدفعك لاقتنائه فور السماع به أو رؤية عنوانه، وكان معرض مسقط الدولي للكتاب حافلا بعناوين لا تحصى تستحق أن يمضي المرء العمر في كتبها قراءة وفهما، وهذه، لعمري، بغية لم أنلها.. ولن أنالها.

«أوطان آلية للسقوط» أول كتب المعرض أباشر في طي صفحاتها، ولأنه شجون السياسة فقد أمضيت فيه الساعات، أقلب الزمن الخليجي المتقلب، حيث رآه الشيخ سيف بن هاشل المسكري، ووثقه الصحفي القدير عاصم رشوان، ويكاد أن يصبح الزمن المتساقط أكثر من كونه آيلا للسقوط، إذ الدلالات الصريحة كالشمس، لا تتحمل التستر على ضوئها الباهر، وهي توضح الحقائق، لكن لا أحد يرغب في رؤيتها، أو لا يتحمل قدرة فهمها، مع ما يتطلبه ذلك الفهم والإدراك من قرارات صعبة، لم تعد ملكيتها داخل أروقة «مجلس التعاون الخليجي»، حيث خرجت شياطين باندورا من صندوقها، ولم يعد بالإمكان إعادتها مرة أخرى، ولذلك لا يعود الزمن إلى الوراء، فالكويت (على سبيل المثال) كان يمكنها التنازل عن عشرة بلايين دولار هي ديون العراق بعد الحرب العراقية الإيرانية، لكن الفاتورة التي أعقبت تلك الكوارث، ارتكبها صدام أو دفع إليها، ربما وصلت إلى تريليون دولار!
قدم رشوان الكتاب على أنه حوارات مع المسكري، ولكن هناك التداخل بين رؤية الصحفي ورأي السياسي، أو العكس، حيث الرأي والرؤية مدفوعان بتماهي النظر نحو ما حصل، منذ ثمانينيات القرن الفائت، المسار الدبلوماسي الذي سار عليه الشيخ سيف المسكري، مع إعجاب واضح من الصحفي عاصم رشوان بشخصية (الشيخ) وله الحق في ذلك، كما نعرفه.
الكتاب يعكس صعود شاب وصل إلى منصب الأمين العام المساعد للشؤون السياسية بدول المجلس ومازال في مطلع الثلاثينيات من عمره، وأحيل إلى التقاعد في منتصف الأربعينيات، أي في عز العطاء، وأيضا الإشارة دالة، كان وكيل السياحة، رغم الثقل الدبلوماسي الذي يحمل خبرته منذ نعومة عمله في السياسة، والعلاقات الكبيرة التي كونها مع ملوك ورؤساء وأمراء وشيوخ، إنما الكتاب يعكس وضوحا آخر لكشف أسرار المسار!
يسرد المسكري ما يدور في الأمانة العامة وقد وجد نفسه الرجل الحائر، كونه غير مرغوب فيه من «الشقيقة الكبرى» ولعدم توفر أي صلاحيات لهذا المنصب الذي شغره بعد خلاف، وحينما أراد أن لا يكون رجل الظل والراتب العالي وجد من يمارس عليه دور التقزيم، ليس لأنه سيف المسكري، بل لأنه عماني!
في حديثه عن العلاقات العمانية الإماراتية كان الشيخ سيف المسكري صريحا، ليس في الأبعاد الخارجية الممكن إيرادها، لكن على المستوى المحلي، حيث الصراعات الخفية والواضحة، وحيث «سماسرة» على الطرفين لا يريدون لهذه العلاقات أن تتطور بما يليق.
وجهات نظر تعكس رؤيته وتحليله و«شخصيته» قالها الشيخ سيف في كتاب «أوطان آيلة للسقوط» جديرة أن تقرأ، وأن تحلل، ليس لأنها الحقيقة، فهذه علمها عند رب الخلق والحقائق، إنما لأنه شخص لم نعهده إلا.. متزنا.
كتاب مهم.. لكن محتوياته لا تعبر عن العنوان إلا قليلا. فهو أقرب إلى سيرة ذاتية تظهر رحلة مناضل يكافح الإحباط والتهميش محاولا صنع النجاح.. رغم أنف المتنفذين والحاسدين.. بقلم كتبه صديق محب.