بديهي أن تفكر الحكومة في عز فوران الأزمة الاقتصادية في حلول ناجعة تحفظ مكانـــة الدولة وكيانها المتأسس على التزامات تكبر مع اتساع الدولة على مصاريف تزيد عن الدخل غالبا، لأن المصاريف تتوسع، ولم نعمل على «توسيع» الدخل كما ينبغي، ويحفظ لاقتصادنا الوطني ثباته واستقراره.
زيادة سعر الوقود «أو رفع الدعم عنه» ورفع نسبة رسوم خدمات، بموازاة ترشيد الإنفاق وأغلبه «ترفي» جرت فيوضه على «الكبار» وهذه تحتها أكثر من خط، لأنها تشمل شرائح مسؤولين ومتنفذين و«واصلين» يعرفون بمهارة متناهية كيف يصنعون من الألف ألفين..
لا أخوض في ذلك من مبدئي الدائم بأن الله لم يخلق البشر متساوين لا مالا ولا علما، ولا في غيرها من النعم، وصولا إلى الجمال وسائر النعم، لكن أشير فقط إلى من استفاد من ظروف الرخاء الاقتصادي، ولو من باب علاوات السفر في المهمات الخارجية واللجان التي تتكون وتجد المكافآت السخية، أنجزت أو لم تنجز.. سوى تكدس الملفات.
تحسين دخل الدولة والحد من التبذير (لا الإنفاق الضروري) واجب على كل مواطن التسليم به، والصبر على ما قد يناله من زيادة فاتورة، لأن الواجب الوطني لا يفترض به وضع مقولات من نوع أن الفقير هو الضحية، أمام المواطنـــة جميعنا سواء، ومسؤولياتنـــا بعمـــق إحساسنا بأن عُمان أمام تحدّ اقتصادي كبير، ربما هناك حسابات لم توضع كما خطط لها، كما ضاعت ملايين هنا وهناك، لكن يبقى دور الدولة أن توصل رسالتهـــا للمواطـــن، أن «التــــرشيد» ينـــال الجميع.. وأن الامتيازات وقد نالها (بعضهم) في زمن الرخاء يفترض أن يعاد النظر فيها، شدة أو رخاء..
كيف توصل الدولة رسالتها؟
هذه القضية التي تبرز مع دعوات الترشيد، حيث إن أحد توجهاتها حرمان الموظف من حقه في القراءة، وحرمان وسائل الإعلام من دعم كانت تقدمه الدولة بطريقة غير مباشرة، ضمن الشراكة التنموية حيث إن عائدات التوزيع والإعلانات لا تغطي كلف إصدار أي مطبوعة مهما بلغ مجمل توزيعها.
أعتبره محاصرة للوعي الجمعي.. وفي ظل ضعف الإقبال عن القراءة فإن دعم وسائط كهذه يعد ضرورة ماسة بخاصة في أوقات الأزمات، السياسية أو الاقتصادية، فتشجيع القراءة هو تشجيع للمعرفة والاطلاع، وللمؤسسات الإعلامية أن تبقى قوية دون حدوث اهتزازات في بنيانها، مع العلم أنها تشغل مئات الكوادر الوطنية، والدفع بها، ولها، واجب لضمان قوة الكلمة وحضورها في المشغل التنموي لأي بلد.
حضور وسائل الإعلام في مؤسساتنا لا نقرؤه من باب تخصيص المطبوعات لكبار المسؤولين، والذين لا يجدون الوقت للقراءة (ربما بعضهم لو كان يقرأ لتغيّرت أشياء كثيرة للأفضل في جهة عمله).. لكن الصوت الإعلامي يحمل رسائل الحكومة أيضا، يوزع ضمن ما يوزع الوعي الآتي من خلال القراءة، ومن تعزيز ثقة الناس بوسائل إعلام بلدهم، إنما ماذا وكم ستوفر الدولة من محاصرة وعي كهذا؟ ومقابل ماذا من الأثمان؟!