الاختلال البيئي والاستقرار العالمي

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٨/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
الاختلال البيئي 

والاستقرار العالمي

جوليو بوكاليتي

تعيش أجزاء كبيرة من العالم في حالة من التوتر، فهناك علاقة الغرب بروسيا ومستقبل الناتو والحرب السورية واللاجئين وتصاعد الشعبوية اليمينية والخروج البريطاني القريب من الاتحاد الأوروبي. إن جميع تلك القضايا -وغيرها- قد أثرت سلبا على الجدل العام في العالم، ولكن هناك قضية تعد أهم من كل تلك القضايا التي تتعرض للتجاهل أو التهميش وهي قضية البيئة.

لقد حصل ذلك خلال الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في سويسرا فما عدا الإشارة إلى اتفاقية باريس للمناخ من قبل الرئيس الصيني شي جينبينج فإن مواضيع مثل التغير المناخي والتنمية المستدامة لم يتم التطرق إليها في النقاشات الرئيسية وعوضا عن ذلك تم مناقشة تلك المواضيع في الاجتماعات الجانبية والتي كانت نادرا ما تتقاطع مع القضايا السياسية والاقتصادية الحالية.

إن السماح بتجاهل القضايا البيئية في مثل هذا الوقت الذي يتميز بانعدام الاستقرار الجيوسياسي والاجتماعي هو خطأ وليس فقط لأن هذا يحدث في لحظة حاسمة في المعركة من أجل إدارة التغير المناخي. إن التدهور البيئي وتناقص الموارد الطبيعية تقوض القدرة على التعامل مع بعض من أكبر القضايا العالمية التي نواجهها.
إن انعدام الأمن البيئي هو مساهم رئيسي في انعدام الاستقرار العالمي رغم أنه في كثير من الأحيان يتم التقليل من شأنه. إن مفوضية الأمم المتحدة العليا للاجئين أصدرت تقريرا تقول فيه إن الكوارث الطبيعية شردت أكثر من 26 مليون شخص بالسنة منذ 2008 -تقريبا ثلث إجمالي المهجرين قسرا في الفترة نفسها-.
وحتى أزمة اللاجئين الحالية لديها بعد بيئي، ففي السنوات التي سبقت الحرب شهدت سوريا أسوأ جفاف في تاريخها المسجل. إن هذا الجفاف مع الممارسات الزراعية غير المستدامة والإدارة السيئة للموارد ساهمت في النزوح الداخلي لمليون ونصف سوري مما أدى إلى تحفيز الاضطرابات السياسية قبل سنة 2011.
إن الرابط بين الضغوط البيئية والزراعية لا تقتصر على سوريا، فالاعتماد المفرط على مناطق جغرافية محددة للزراعة يعني أن إنتاج الغذاء يمكن أن يعمل على تفاقم المشاكل البيئية أو حتى إيجاد مشاكل جديدة، وهذا سيجعل مصالح المستهلكين العالمية في مواجهة مصالح المواطنين المحليين كما كان عليه الحال منذ فترة طويلة على طول نهر المسيسيبي، إذ أن استخدام بعض الأسمدة أدى إلى عدم قدرة التربة على امتصاص المياه في منطقة تعد سلة غذائية للعالم وهذا يساهم في زيادة المخاوف المتعلقة بنوعية المياه.
إن الرابط يسير في الاتجاه المعاكس، كذلك فالظروف البيئية تؤثر على الإنتاج الزراعي أيضا وهذا بدوره يؤثر على أسعار المنتجات الزراعية والتي تمثل حوالي 10 % من المنتجات التي يتم الإتجار بها عالميا، فعلى سبيل المثال ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط هطول الأمطار يساهمان في رفع أسعار القهوة. إن التوقعات بانكماش الأراضي في العالم المناسبة لزراعة القهوة بمقدار النصف بحلول سنة 2050 يعني أن الأسعار مرشحة للزيادة.
إن التحول المفاجئ تجاه الحمائية التجارية قد يؤدي إلى مزيد من الارتفاعات في أسعار المنتجات الزراعية، ومثل هذا الزيادة ستؤثر على دخل الأسر التي تشتغل في الزراعة مما سيفيد بعض المزارعين ويلحق الضرر بمزارعين آخرين، كما سيعاني المستهلكون وخاصة الفقراء والضعفاء منهم.
إن من الأسباب الأخرى لماذا يجب أن تكون البيئة في قلب المناقشات الاقتصادية هو دورها كأكبر مصدر للتوظيف على مستوى العالم فحوالي بليون إنسان أي 20 % تقريبا من القوى العاملة في العالم يعملون بشكل رسمي في الزراعة وهناك بليون إنسان آخر تقريبا ينخرطون في زراعة الكفاف وعليه فهم غير مسجلين في إحصائيات الأجور الرسمية.
إن أي مبادرات لدعم التنمية الاقتصادية يجب أن تدعم انتقال الناس تجاه نشاطات أكثر إنتاجية وهذا مهم على وجه الخصوص في وقت تهدد فيه التكنولوجيا التي تزداد تعقيدا وتكاملا أن تتجاوز جيلا بأكمله من العمال في بعض البلدان، فالجهود من أجل إفادة هذا العدد الضخم من الناس يجب أن لا يركز على التدريب والتعليم فحسب بل أيضا على نماذج جديدة تسمح للبلدان بالاستفادة من رأسمالها الطبيعي -الأراضي وتجمعات المياه والبحار- بدون استنفاذها.
ونظرا لأن تناقص الموارد الطبيعية يمكن أن يتسبب في التشرد والضعف فإن الإدارة الفعالة للموارد الطبيعية يمكن أن تدعم حل النزاعات والتنمية الاقتصادية المستدامة، وبهذا الجانب فإن الجهود لتحقيق المعالجة البيئية من أجل تعزيز صلابة ومرونة المجتمعات الريفية والإنتاج الزراعي المستدام ودعم الإشراف البيئي المجتمعي قد أظهرت نتائج واعدة.
دعونا ننظر إلى نورثرن رانجلاند ترست وهي منظمة تركز على إنشاء محميات مجتمعية من أجل دعم استخدام الأراضي في كينيا بشكل مستدام وعادل. لقد ساعدت نورثرن رانجلاند ترست المجتمعات الرعوية على إنشاء آليات إدارة فعالة للبيئة التي تعتمد عليها مما يقلص من النزاع على حقوق الرعي وخاصة في أوقات الجفاف.
بالنسبة للعديد من المجتمعات فإن علاقة الناس بالأرض التي يعيشون عليها هي جزء لا يتجزأ من هويتهم ومع الإدارة والتخطيط الفعال والحوار المنفتح وأطر تقاسم الموارد والاستثمار الكافي بما في ذلك في التدريب على المهارات فإن بإمكان تلك المجتمعات أن تترجم هذه العلاقة لإدارة بيئية فعالة وبناء مجتمعات أكثر صحة وأمنا.
إن الأزمات التي تعصف بالعالم المعاصر هي أزمات معقدة ولكنّ هناك أمرا واحدا واضحا وهو أن البيئة مرتبطة بها جميعا والحلول لن تعني شيئا بدون عالم صحي نستطيع فيه تطبيق تلك الحلول.

كبير الإستراتيجيين في محمية ذا نيتشر الطبيعية