الكتب بين الاندثار والازدهار.. واقع القراءة في عصر التكنولوجيا

بلادنا الثلاثاء ٠٧/مارس/٢٠١٧ ٠٤:١٥ ص
الكتب بين الاندثار والازدهار.. 

واقع القراءة في عصر التكنولوجيا

مسقط - مزون بنت علي الغيلانية

عندما تتغطى أرفف الكتب بغبار العزوف عن القراءة لا يعود هناك من زائر لهذه الكتب التي طالما مكثت ترحب بزوارها القراء. تبدل حال القراءة مع مرور الزمن إلى أن استحوذت التكنولوجيا على اهتمام القراء، وكادت تصبح مصدر المعرفة الأول. وطرق الحصول على المعرفة وطلب العلم تختلف من طريقة إلى أخرى فهناك من يفضل القراءة بالطريقة التقليدية عن القراءة من خلال الشبكة العنكبوتية، وهناك من يفضل القراءة الإلكترونية، ورغم أهمية الحفاظ على الكتب واقتنائها إلا أن هناك وجهات نظر تفاوتت حول واقع القراءة في عصر التكنولوجيا.

أسباب العزوف عن القراءة

معلمة اللغة العربية عائشة الحتروشية تقول: “الانشغال بأمور حياتية ليست ضرورية كلها، ودور قنوات التواصل التي تكبد البشر متابعتها بصورة غير صحية غالبا هي من الأسباب التي جعلت القراءة ليست من الأولويات عند البعض”.

وتضيف المشرفة التربوية في اللغة العربية سالمة المرهوبية: “بالنسبة للمرأة العاملة والأم المربية كثرة المشاغل وازدحام الأعمال، وقلة تنظيم الوقت أسباب العزوف عن القراءة، ولا تعد القراءة أولوية بالنسبة لهم أولاً لغياب الدافع والتشجيع لدى بقية أفراد المجتمع للقراءة”.
تنوع وتوفر الوسائل المختلفة في العصر الحالي التي باتت تنافس الكتاب في الوصول للمعرفة من أسباب العزوف عن القراءة أيضاً، وهذا ما ذكره لنا كاتب وأخصائي الأنشطة الثقافية بمديرية التربية والتعليم بمحافظة جنوب الشرقية د. سالم بن سعيد العريمي، ويقول: “العزوف عن القراءة ظاهرة كبيرة تمتد إلى جميع أصقاع الدنيا وتطال جميع البلدان مع تفاوت النسب”.

تحديات القراءة في عصر التكنولوجيا

سالمة المرهوبية تقول: “انتشار استخدام التطبيقات الحديثة في الهواتف الذكية بين معظم شرائح المجتمع أسهم في إلهاء الناس عن القراءة وجعلها أمراً ثانوياً بالنسبة لهم؛ لانشغالهم بالتقنيات الحديثة، إذ غدت ثقافة شائعة لدى المجتمع يقلد فيها الأفراد بعضهم بعضا، فلم يجد الكتاب الورقي من يلتفت إليه أو يعتني به، لأن القراءة أصبحت أمراً غير ضروري بالنسبة لهم”.وتضيف عائشة الحتروشية: “للتكنولوجيا مضارٌ خطيرة على القراءة رغم فضلها المعروف. فمن وجهة نظري أفضِّل قراءة الكتب ورقية لا محوسبة، وأراها تفقد المرء المتعة القرائية وسكونها وسهولتها، فحين تهم -مثلا- بالتوقف للمتابعة لاحقا، يتسرب إليك شعور الانزعاج، فإما أن تنهي القراءة فلا تعاود، أو تواصل القراءة السريعة لتصل للنهاية تخلصاً من القراءة، لذا أرى أن التكنولوجيا وصلت بالقراءة إلى حد الإزعاج”.

لا شك أن القراءة تواجه في العصر الحالي تحديات كثيرة منها تراجع الإقبال على الكتب الورقية بسبب سهولة الحصول عليها عن طريق الإنترنت، وعبَّر عن ذلك الكاتب والناقد د. ضياء خضير، حيث يضيف: “لا يشك أحد في أن الوسائل الإلكترونية الحديثة قد أثرت على الكتاب المطبوع على الورق وأسهمت في تراجع اقتنائه وقراءته. علما بأننا في بداية عصر التكنولوجيا الإلكترونية، وتوقعاتنا أن عزلة الكتاب الورقي ستزداد مع مرور الوقت وتوفر المزيد من أجهزة القراءة اللوحية”.

التغييرات التي أحدثها عصر التكنولوجيا

د. سالم العريمي يقول: “أول التغييرات هي فقدان ثقافة القراءة وطلب السرعة في الحصول على المعرفة بالوسائل الأخرى وبالتالي تراجع المعرفة وعدم القدرة على مواكبة التطور العلمي، بالإضافة إلى تراجع منسوب القراءة لدى الناس ما يعني تراجع المعرفة الحقيقية، وتحول القارئ إلى مشاهد للتلفاز ومستمع للهاتف وغيرها من الوسائل، وتراجع صناعة الكتاب وغلائه وعزوف الناس عن القراءة والبحث عن السهولة العلمية والسطحية في التلقي وغلبة المتعة والترفيه وعوامل الجذب الأخرى على وسائل التعلم والأخذ”. وتضيف عائشة الحتروشية: “تمكين القارئ الباحث من الوصول لأمهات الكتب بسهولة عبر النسخ المصورة، وسهولة بحثه عن النوع والكم في أي مغزى كان ساعيا خلفه، سواء من حيث بحثه عن كتب أو دراسات وبحوث، واطلاعه على الجديد من الإصدارات”.

تغير معدل اهتمام الأجيال بالقراءة

تختلف الاهتمامات من جيل إلى آخر من حيث الثقافة وطرق الحصول على المعرفة بتوفر الوسائل المتاحة في كل جيل، يقول العريمي: “لا أظن أن تغير الأجيال ساهم في معدل الاهتمام بالقراءة إلا إذا قصدنا التغير المادي والتطور التكنولوجي، من المؤكد أن الأجيال الجديدة تتمتع بوسائل معرفية وعلمية متطورة وسريعة وجاهزة أحيانا، والكتاب يتراجع عن مكانته السابقة وينشغل الفرد عنها كثيرا ولعل هذا جعل القراءة تتأثر كثيرا”. سالمة المرهوبية تقول: “إن الأجيال الجديدة أصبحت أقل اهتماما بالقراءة من الأجيال السابقة لأن القراءة السبيل الأول للمعرفة سابقا، بينما أصبحت التكنولوجيا الآن هي وسيلة المعرفة الأولى والأوسع انتشارا بين الناس وجعلتهم أكثر إقبالا عليها من القراءة التي تتطلب مهارة ولها شروط لتحقق الفائدة المرجوة منها”. وفي السياق تضيف عائشة الحتروشية: “لكل جيل توجهاته ويحدد مسار ذلك السائد في عصره، فالقراء التقليديون كانوا يسعدون بنسخة ورقية غير مجودة الإخراج أحيانا وغير محققة، لنهمهم للقراءة، وندرة الموجود، وسارت بنا العصور من ذاك القارئ النهم إلى البارع التقني المنصرف عن اللب إلى سواه، فقارئ اليوم يفضل أن يقضي وقته بتصفح أحدث التغريدات ومراسلة الجماعات حول أمور حياتية يومية وشكلية، لابد سينصرف جيل الآي باد وتويتر والفيس بوك والانستجرام عن القراءة الحقة المفيدة إلى قراءات ما تضعه كل هذه البرامج بين أيديهم بشكل مفتوح على العالم بأسره، فأنى لنا بقارئ؟!”.

مستقبل القراءة بين زخم

عصر التكنولوجيا
اكتفت عائشة الحتروشية عند حديثها عن مستقبل القراءة بين زخم التكنولوجيا بالبيت الشعري الذي يقول: “كالعيس في البيداء يقتلها الظما ** والماء فوق ظهورها محمول” بينما يضيف د. سالم العريمي: “التطور العلمي والتقني لن يتوقف والوسائل العلمية الحديثة تسير سيرا حثيثا في التطور ولكن سيبقى الكتاب الورقي موجودا وله أنصاره ومحبوه حتى ولو انسحب قليلا وزاحمته التقنية الإلكترونية، فله متعة في طريقة التناول وراحة قرائية لا يجدها القارئ في الوسائل الأخرى”.

المحافظة على الكتب الورقية

سالمة المرهوبية تقول: “من سبل الحفاظ على الكتب من الاندثار دعوة الناس للقراءة ونشر الوعي بين أفراد المجتمع، وتيسير الحصول على الكتب للناس بإيصالها إليهم ودعمها ماديا”. والعريمي يضيف: “أولا أن نجتهد في إعادة ثقافة القراءة وبعدها ستأتي مظاهر القراءة المختلفة كوجود جيل قارئ ووجود المكتبات في كل بيت ومدرسة ومدينة والاعتناء بالكتاب طباعة وتشجيعا، وأن تتحول القراءة إلى عادة يومية نراها في كل مكان”.