تحول النفايات الزراعية إلى منتجات مبتكرة

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٦/مارس/٢٠١٧ ٠٠:١٤ ص
تحول النفايات الزراعية إلى منتجات مبتكرة

مخلفات ذرة تتحول إلى وقود حيوي أو ألواح، مخلفات سعف النخيل تستخدم من أجل إنتاج الكارينا، مخلفات قصب السكر تتحوّل إلى أسمدة عضوية، ومخلفات زراعية أخرى يتم تحويلها إلى أعلاف حيوانية.. هذه ليست إلا بعض من الأمثلة التي تكشف كل ما نستطيع القيام به من أجل إعادة تدوير مخلّفاتنا الزراعية.

في عصر، أدرك فيه الناس أهمية عمليات إعادة تدوير كل ما نستهلكه، ازداد عدد الشركات التي تهتم بهذا المجال، علّها تُساهم باستدامة أرضنا وتقليص التلوث البيئي. وليست المنطقة العربية استثناءً حتى لو أنها متأخرة بعض الشيء عن الدول الأخرى.

جذور

يخبرنا محمود الأمير، المتخصص في تطوير الأعمال أنّ «قصة «جذور» بدأت من حوالي 4 سنوات مع مجموعة طلبة في قسم الهندسة في جامعة عين شمس أثناء العمل على مشروع تخرجهم في تصميم ماكينات لإعادة تدوير المخلفات الزراعية وإدخالها في منتجات متنوعة».

وبالتالي بعد التخرج، قامت مجموعة الشباب بإنشاء شركة «جذور» تحقيقاً لمجموعة من الأهداف التي عددها لنا الأمير: استغلال الموارد المهدرة في أهم الصناعات الممكنة، وإيجاد بديل محلي للأخشاب المستوردة، وإبراز الحلول المستدامة البديلة، والحد من التلوث البيئي الناتج عن حرق المخلفات الزراعية، وإيجاد فرص عمل لأهل القرى.

ويخبرنا الأمير «بدأت رحلة جذور تحقيقاً لمهمتها في استغلال مورد -جريد نخيل البلح- المهدر والذي يحرق سنوياً بأكثر من 370 ألف طن في مصر فقط، لإنتاج ألواح خشبية ومنها منتجات نهائية بجودة عالية وشكل متميز وطرحها بالأسواق».

ويخبرنا أنه يوجد في مصر حوالي 15.5 مليون نخلة ويقدر متوسط الجريد المهدر من النخلة الواحدة بحوالي 20 كيلو، أي نحو 375 ألف طن سنويا، يتم استغلال حوالي 10 % فقط منها والباقي في الغالب يتم حرقه. ويضيف «لذلك، هناك فرصة كبيرة لوجود شركات عديدة مثلنا للقيام باستغلال هذه الموارد، فهذه الكميات تتجدد كل سنة بقدوم موسم تقليم النخيل».

ويشدّد الأمير أن الأمر لم يكن ممكناً من دون فريق كبير من المزارعين والعمال وسائقي عربات النقل وحراس المصنع والمخزن وشركائهم من مصممي الديكور وحرفييّ النجارة.

وتتنوّع هذه المنتجات النهائية، فنجد الأبواب وتجليد الجدران وأكسسوارات الديكور مثل الساعات وبراويز المرايات وغيرها. وهنا يضيف الأمير «نستهدف بالأساس مكاتب الديكور والتصميم الداخلي بالإضافة إلى تجار الأكسسوارات المنزلية».

يسعى القيّمون على «جذور» حالياً إلى إثبات قدرة خشب جريد النخل على المنافسة بجودته ومتانته وشكله المميز، سواء في السوق المحليّ أو الخارجي لاسيما الخليجية منها التي تهتم بقيمة النخيل أكثر من غيرها.

«نباتا»

«الدافع الرئيسي وراء إنشاء شركة «نباتا» هو مساعدة مديريتي الزراعة والبيئة في التخلص الآمن من مخلفات النخيل التي تعتبر ثروة قومية لمحافظة أسوان، حيث يبلغ تعداد النخيل فيها مليون وثمانمئة ألف نخلة تنتج 105 آلاف طن من المخلفات سنوياً وتُسبب الكوارث البيئية والزراعية للمحافظة»، بهذه العبارة يُعرّف إسلام ياسين المؤسس عن شركته مضيفاً أنه يسعى أيضاً إلى «توفير فرص عمل حقيقية وخاصة للفتيات والنساء في المناطق الأكثر تهميشاً واحتياجاً في صعيد مصر».

وبالفعل مساعدة وتمكين النساء في صعيد مصر ينعكس أيضاً في فريق العمل المؤلف من 36 فتاة وامرأة يعملْن، بحسب ياسين، «في وحدات إنتاجية حيث تم تأهليهنّ وتدريبهنّ فنياً وتقنياً واجتماعياً أيضاً لكي يتمكنّ من العمل لدى «نباتا» بأسلوب علمي منظّم بالإضافة إلى ثلاثة منهنّ يعملْن في التسويق والبيع».

أما في ما يتعلق بطريقة معالجة النفايات، فيخبرنا ياسين أن كل الخطوات يدوية ولا تتّبع تكنولوجيا. ويضيف أن العملية تبدأ «بمرحلة التقشير فالتجهيز ثم المعالجة بتعرّضها للماء والشمس تحت درجة حرارة معينة ولوقت معين ثم يتم شدّها على النول». وهنا لا بد من الإشارة إلى أن «نباتا» تُعيد تدوير جزءاً محدداً من النخلة ألا وهو «العرجون» أي الجزء الحامل للتمور.

يشير ياسين إلى أن اختيار هذا النوع من النفايات الزراعية يُعزى إلى أنها تُشكّل «مشكلة كبيرة وملحة في محافظة أسوان وتمسّ العديد من القطاعات والأشخاص وتلعب دوراً مهماً في الدخل القومي للمحافظة». ويتابع «نأمل في «إنشاء مساحة عمل مشتركة تضم العديد من الحرفيين والمبدعين والمصممين في مجال الصناعات اليدوية الصديقة للبيئة لكي تصبح مركزاً بحثياً وإنتاجياً عالمياً».

نفايات النخيل

يتّفق كل من ياسين والأمير على استدامة مشاريعهما. فيقول الأمير «تعـــد شركتنا مبادرة مستدامة بالطبع لأنها تتعامـــل في الأساس مع مورد متجدد، نخيل البلح لا يمكن أن يثمـــر إن لــم يتم تقليمه بقطع الجريد في كل موسم من دون أن ننســـى أن بلادنـــا العربية مليئة بملايين النخيل».

من جهته، أكّد ياسين أنّ «الشركات التي تعمل في إعادة تدوير النفايات لديها الفرصة الأكبر للاستدامة حيث الريادة والابتكار والإبداع الدائم بالإضافة إلى أنها تعمل على تفعيل دور الحماية الاجتماعية والعدالة المجتمعية».

استدامة أكيدة وإنما بثمن، فالتحديات التي يواجهها رواد الأعمال الذين يخوضون هذا المجال ليست قليلة. فهنا يقول ياسين إنهم واجهوا العديد من التحديات التي تغلّبوا عليها «بداية من ثقافة الأشخاص في صعيد مصر وعدم تقبلهم لفكرة من يعمل في إدارة النفايات مروراً بتشكيل فريق العمل وتأهيله فنياً واجتماعياً وصولاً إلى ندرة الأبحاث والدراسات التي من الممكن أن تساعد على النمو بشكل أسرع وأخيراً التمويل والتسويق».

ولكن، على الرغم من ذلك، يؤمن الأمير وياسين بأهمية الدور الذي يضطلع به رواد الأعمال في منطقتنا العربية لتطوير مجال إعادة تدوير النفايات الزراعية بكل أشكالها. فيقول الأمير: «نحن نعتقد أن دور الشركات الناشئة العاملة في استغلال موارد مهدرة وتحويلها إلى منتجات أساسية بديلة عن المستوردة هو دور رئيسي ومحوري في دعم الاقتصاد المحلي الذي يواجه الكثير من العوائق الحالية فيما يتعلق بالاستيراد وأزمات العملة الصعبة وغيرها.. هذا الطريق سيساعد بشكل أساسي على فتح محاور جديدة للعمل في القرى والمدن مما يساهم في حل مشاكل البطالة التي نعاني منها جميعاً»، أمر يؤكد عليه ياسين مشيراً إلى أهمية دور رواد الأعمال في تثقيف المواطنين حول أهمية النفايات كمورد لا مشكلة وفي تقديم نموذج جيد لاستثمارها وفي نشر ثقافة استخدام الصناعات الصديقة للبيئة.