عندما صدر قانون استثمار رأس المال الأجنبي للسلطنة في الـ 16 من شهر أكتوبر العام 1994، كنت حينها مديرا للمكتب التجاري العُماني في العاصمة التايوانية (تايبيه)، ممثلا لغرفة تجارة وصناعة عمان. ومن القراءة الأولى لهذا القانون لم أتمكن من معرفة إيجابيات وسلبيات هذا القانون الذي يصدر لبلد تحتاج إلى مزيد من الاستثمارات لكي تعزز أعمالها التجارية والصناعية والخدمية، وتستطيع توظيف المزيد من العمالة الوطنية. ومن هذا المنطلق سلمتُ نسخة من هذا القانون لمؤسس ورئيس مجلس إدارة مركز التجارة العالمي بتايون (مستر كو) الذي سبق له أن قام بزيارة إلى السلطنة، وتعرف على أعمالها التجارية والصناعية وإمكاناتها المتوفرة هنا، في الوقت الذي كان التايوانيون يعتبرونه معجزة تايوان ومؤسس التجارة الخارجية لهذا البلد. والهدف من إعطائه هذا القانون هو لتقديم بعض الملاحظات عليه والتي ربما نستفيد منها في أعمالنا المستقبلية. ورغم أن الموضوع أخذ قرابة شهر لتقديم ملاحظات هذا الشخص، إلا أنه لم يكتب لي ملاحظة، وإنما طلب من أن أحضر إلى مكتبه ليقول هذه الكلمات: « قانون الاستثمار في بلدكم يشابه نفس القانون الذي صدر في ماليزيا قبل 25 عاما والذي اضطرت الحكومة الماليزية بتعديله مرة أخرى». فسألته ماذا تقصد من ذلك؟ فأجاب التالي:
المادة 2 من القانون يشترط لمنح الترخيص للأعمال التجارية في البلاد أن تجري الأعمال بواسطة شركة عُمانية لا يقل رأسمالها عن 150 ألف ريال ولا تزيد حصة الأجانب فيها عن 49% من رأس المال. كما يجوز تجاوز النسبة السابقة وحتى 65% من رأسمال الشركة بقرار من وزير التجارة والصناعة بناء على توصية لجنة استثمار المال الأجنبي. كما يجوز تجاوز النسبة المشار إليها في البند السابق وحتى 100% من رأسمال الشركات في المشروعات التي تساهم في تنمية الاقتصاد الوطني بموافقة مجلس التنمية بناء على توصية وزير التجارة والصناعة شريطة ألا يقل رأسمال المشروع عن 500 ألف ريال. هذا الحديث مضى عليه اليوم 22 عاما. فقلت له مرة أخرى ماذا تقصد بذلك؟؟، فقال لا يحتاج القانون إلى هذه النسب وإلى هذه التعقيدات، 49% و65% و100% ، ووضع اشتراطات عديدة لتغيير هذه النسب. كلما تريدونه هو إعطاء الحرية للمستثمر بنسبة 100% ليتمكن من أخذ قراره دون أن يدور في فلك هذه النسب والموافقات العديدة.
من جهتي تم إيصال هذه الملاحظات للمسؤولين في غرفة التجارة حينها، والغرفة معروف عنها بأن كلمتها في ذلك الوقت لم تؤخذ على محمل الجد، وإنما الوزارات السيادية ومنها وزارة التجارة والصناعة هي التي كانت مسؤولة عن كل شاردة وواردة، والوضع لم يتغير كثيرا حتى الآن منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، في الوقت الذي بذلت مجالس إدارات الغرفة خلال أكثر من العقدين الفائتين الكثير من الجهد لتغيير أوضاع البيئة التجارية في البلاد، إلا أن الوضع لم يتغير كثيرا، لنصبح اليوم منشغلين في أمر واحد وهي التجارة المستترة وتحويلات العمالة الوافدة التي تنخر عظام الاقتصاد العُماني بسبب عدم وجود تعديلات على بعض القوانين المهمة لجذب الاستثمار الأجنبي. وهناك عدة ملاحظات أخرى طرحها (مستر كو) حول آلية مزاولة الأعمال التجارية والصناعية وغيرها من الأمور الأخرى، وضرورة تسهيلها لكي يقبل المستثمر على الاستثمار في السلطنة.
إن الحديث عن هذا الموضوع يأتي في إطار التوصيات التي تقدمت بها مجموعة البنك الدولي مؤخرا لمراجعة قانون استثمار رأس المال الأجنبي الحالي بالسلطنة بهدف تسهيل دخول الاستثمارات إلى البلاد، وإلغاء أو تخفيف بعض المطالب، كموافقة المستثمر ومتطلبات الملكية المحلية والحد الأدنى لرأس المال، واستكمال الإجراءات من خلال النافذة الواحدة ، ودمج كامل لمفهوم النافذة الواحدة مع الوزارات، وإزالة القيد على ملكية الموارد الطبيعية. ومن ضمن توصيات البنك الدولي تعزيز التنسيق المشترك بين الجهات المعنية لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وإعادة تشكيل مجلس إدارة «إثراء» ليتضمن ممثلين عن الشركات المملوكة للدولة والمناطق الحرة والمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الصناعية.
وربما تكون هذه التوصيات تأتي بنتائج أفضل لوضع السلطنة على الخارطة العالمية للاستثمارات مستقبلا، وتزيد من الكفاءة والإنتاجية والتنافسية في السوق العُماني. وهناك عدة توصيات أخرى صادرة عن مجموعة البنك الدولي التي نتمنى أن تكون في صالح جميع التجار والمستثمرين، خاصة رواد الأعمال الجدد الذي يكافحون لممارسة أعمالهم التجارية بصورة صادقة، خاصة وأن العقود الأربعة الماضية احتكرت التجارة في مؤسسات وأشخاص معينين استفادوا من القانون السابق للاستثمار، ومن زخم التجارة الخارجية، ونجحوا في الحصول على العديد من الوكالات التجارية لينفردوا بها حتى اليوم.
والكل يأمل بأن تكون قوانين الاستثمار الأجنبي في البلاد أكثر وضوحا من ذي قبل، مع ضرورة وجود آلية مناسبة لرصد التقدم المحرز نحو تحقيق استراتيجية الاستثمار من خلال مؤشرات الأداء الرئيسية للاقتصاد العماني كما وردت في توصيات البنك الدولي، بالإضافة إلى التركيز على تسهيل التجارة وتبسيط الإجراءات الجمركية في الموانئ، والمناطق الحرة، وتسهيلات أكبر في تشغيل العمالة الوطنية والأجنبية بهدف زيادة الاندماج في سلاسل القيمة العالمية.