• الحمل الأكبر في إبعاد الأطفال عن الإلكترونيات يقع على عاتق دور النشر التي عليها أن تنتج كتبا جيدة تجذب القارئ الصغير وتنافس الكتاب الأجنبي • أحمد الراشدي: جوائز أدب الطفل التي ظهرت مؤخرا ساهمت في تجويد كتاب الطفل العربي فنيا وعلميا ونفسيا مسقط - لورا نصره
أغلق معرض مسقط الدولي للكتاب أبوابه أمس.. إقبال ملحوظ وكتب كثيرة بيعت والأطفال وآباؤهم كانوا جزءا أساسيا ومهما من الزوار والمقتنين.. لكنّ هناك سؤال مهم يفرض نفسه بقوة رغم هذه النهاية السعيدة ويدور حول واقع أدب الطفل العربي ومدى استيعابه ومواكبته نصا ورسما وجودة للطفل العربي الذي يعيش اليوم متغيرات جمة سياسيا واجتماعيا ونفسيا؟
نعم الآباء يشترون القصص.. لكن هل الأطفال يقرأون؟ وهل تعكس نسبة المبيعات المرتفعة لكتب الأطفال رد فعل طبيعي من قبل الآباء على سطوة وسائل الاتصالات الحديثة والألعاب الإلكترونية التي أخذت جل اهتمام أطفالنا اليوم؟..
في السطور التالية نرصد آراء بعض دور النشر والكتاب والمتخصصين بأدب الطفل.
المبيعات في تزايد
أدب الطفل العربي كما يراه محمود سيف من دار الشروق المصرية في تحسن ملحوظ، بدأ يظهر واضحا منذ عامين. وعن ذلك يقول: دار الشروق لديها كوكبة كبيرة من الكتاب المتخصصين في أدب الطفل ونحن نراعي أن يوفر كل كتاب يصدر عن الدار قيمة للطفل وإضافة له عندما يضمه إلى مكتبته من ناحية النص والجودة والشكل النهائي الجذاب. وانطلاقا من تقييمي الخاص أرى أنه ومنذ العام 2016 أصبح هناك اهتمام عربي متزايد وملحوظ بأدب الطفل، وهذا انعكس على نسب المبيعات المرتفعة في الوطن العربي وليس فقط في معرض مسقط الدولي للكتاب.
سؤال صعب
هل أدب الطفل العربي مواكب لطفل اليوم أم متأخر عنه؟ تجيب عنه الناشرة المصرية فدوى البستاني (دار البستاني للنشر والتوزيع) بالقول: سؤال وجيه وصعب سأجيب عليه من واقع خبرتي في أدب الطفل التي تمتد لـ 25 عاما. وفي الوهلة الأولى سأقول أنه غير مواكب، لكن هناك استثناءات وهي الناشر الذي يبحث عن نص جيد غير مكرر يواكب طفل اليوم.
وتضيف: "أعتقد أن الجوائز التي تقدم لكتب الأطفال قد لعبت دورا في تحسن نوعية وجودة كتاب الطفل الذي رأينا طفرة أصابته خلال السنوات الـ20 الفائتة من حيث المحتوى والإخراج، والناشر الذكي يعرف ألا يكرر نفسه وخاصة أن صناعة الكتاب مكلفة جدا والمردود ضعيف.
وحول مواصفات الكتاب الجيد تقول فدوى: "الكتاب الجيد المكتمل العناصر يجب أن يحترم عقلية الطفل أولا من حيث النص واللغة والتنسيق والألوان والرسوم ويجب أن يتوفر فيه العنصر الجمالي الذي يحبب الطفل بالقراءة والمطالعة، فطفل اليوم ذكي جدا ولا يثير انتباهه أي كتاب عادي.
مراعاة أعلى المعايير
محمود لبنية مدير المبيعات في دار العالم العربي للنشر والتوزيع في دولة الإمارات يرى أن أدب الطفل الحالي من ناحية الكتاب الورقي مواكب لطفل اليوم رغم التقدم البطيء مقارنة بالكتب الأجنبية، حيث تبقى الأخيرة جاذبة أكثر للأطفال من ناحية النص والرسوم والألوان.
ويضيف: "دار العالم العربي وبعض الدور الأخرى تنتج كتبا ذات جودة عالية حتى تجذب الطفل العربي إلى الكتاب الورقي في ظل وجود الثقافة الإلكترونية وسيطرة الألعاب الإلكترونية التي تطغى بشكل كبير على الأطفال.. ورغم أن الكتاب يجد صعوبة شديدة في منافسة تلك المغريات المتوفرة أمام الطفل، إلا أننا نعمل على مقاومة ذلك عن طريق رفع جودة الكتاب وإيصاله للطفل من خلال المدارس أو عن طريق أولياء الأمور وعن طريق طريق معارض الكتب.
ويضيف: "الأمر يحتاج إلى تعاون أولياء الأمور الذين يجب أن يعرفوا كيف يقنعوا أطفالهم بالمتعة التي تحققها القراءة، إلى جانب أن التوعية في المدارس تلعب دورا كبيرا، وأعتقد أن محاولة إبعاد الأطفال قليلا عن الإلكترونيات هي بحاجة إلى جهد مشترك من الآباء والمدارس والحمل الأكبر يقع على عاتق دور النشر التي عليها أن تنتج كتبا جيدة تجذب القارئ الصغير وتنافس الكتاب الأجنبي.
مواكبة الطفل
كاتبة قصص الأطفال العمانية عائشة الحارثية صاحبة الإصدارات الناجحة "بو، الأيادي الملونة، ووحش البازلاء، والسمكة سمسمة"، ترى أن أدب الطفل في الفترة الأخيرة بدأ يأخذ منحى آخر من حيث مواكبته للأحداث فلم يعد أدبا يخاطب الطفل بأسلوب الأطفال البسيط، بل أصبحت هناك قصص تواكب الأحداث السياسية والاجتماعية والنفسية التي تحيط بالطفل العربي وبعضها يتحدث عن أهوال الحرب أو الفقد أو يعالج الوحدة والانعزال وصولا إلى و موضوع التعلق بالأجهزة.. هي باختصار قصص تخاطب طفل اليوم.
أما الإقبال على أدب الطفل فيحدده بحسب عائشة مدى اهتمام الأهل والوالدين تحديدا بقصص الأطفال.
أحمد الراشدي
أحمد الراشدي باحث ومهتم بأدب وثقافة الطفل، وقد سبق وأن قدم العديد من الورش القرائية للأطفال كما قاد مبادرات ناجحة عديدة في هذا الإطار. سألناه حول مواصفات كتاب الطفل اليوم؟ يقول: "إن نسأل ما هي مواصفات كتاب الطفل اليوم. يعيدنا إلى سؤال الناشر العربي هل هو يعمل لهدف تجاري أم يعمل لأجل مصلحة أدب الطفل وبرؤية فنية؟..
ويتابع: "في الحقيقة أن ما حدث في العالم العربي لأدب الطفل عبر سنوات هو النظرة إليه على أنه كتاب من الدرجة الثانية ولم يكن الاشتغال الفني على كتاب الطفل من حيث جودة الورق والرسوم والألوان هو اشتغال فني حقيقي ولهذا لم تهتم الأسرة العربية بأدب الطفل بسبب الجريمة التي ارتكبها الناشر. سبب آخر يجعل الناشر لا يهتم كثيرا بما يقدمه هو أن المؤسسات الثقافية المعنية برسم الاستراتيجيات الثقافية في البلدان العربية تخلفت كثيرا في هذا الجانب ولم تكن تولي كتاب الطفل أي اهتمام لذلك كان الناشر ينشر لأجل التجارة ومؤسف جدا أن لا يصل الكتاب العربي إلى المحافل العالمية التي تحتفي وتتنافس في جوائز عالمية على جودة كتاب الطفل ورسوماته مثل معرض بولونيا العالمي ومعرض فرنكفورت العالمي.
ويضيف: "لكن أستطيع أن أقول إنه في السنوات الأخيرة استفادت بعض دور النشر العربية من التجربة الأوروبية وأدخلت جودة عالية على كتاب الطفل بحيث تشعر الأسرة العربية بالاطمئنان وتطعم طفلها غذاءً ثقافياً، وعقلياً، وجميلاً وشهياً بمواصفات خبراء وبمواصفات فنية راقية جدا وعالمية من حيث الألوان وجودة الورق وأستشهد بدار كلمات الإماراتية التي تشتغل اشتغالا فنيا حقيقيا على أدب الأطفال الذي تقدمه".
ويختم الراشدي: "لعل جوائز أدب الطفل التي ظهرت مؤخرا مثل جائزة اتصالات وجائزة قطر، وجائزة كتابي التي ترعاها مؤسسة الفكر العربي قد ساهمت إسهاما كبيرا في تجويد كتاب الطفل العربي، وإنتاج كتاب يتلاءم فنيا وعلميا ونفسيا مع مواصفات ما يتطلبه الطفل".
ويبقى أن نقول إن مسؤولية الارتقاء بأدب الأطفال لا تقع منفردة على دور النشر أو الأسرة أو الكتاب.. بل هي مسؤولية مشتركة ونتمنى أن نرى مزيدا من التنافس في هذا الإطار يصب في مصلحة أحبائنا الأطفال في النهاية.