الجريمة الإلكترونية في المجتمع الخليجي ومواجهتها

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٢/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
الجريمة الإلكترونية في المجتمع الخليجي ومواجهتها

أحمد بن الشيخ عبدالله الفضالة

تعد الجريمة الإلكترونية من أبرز وأخطر التحديات الأمنية التي تواجه المجتمعات كافة في مجال تقنية المعلومات والاتصالات اعتبارا لكونها عابرة للحدود، من حيث إمكانية ارتكابها في أي مكان بالعالم وسهولة إخفاء أدلتها وتحقيقها نتائج وأضرار سريعة نسبيا، وتصل الخطورة إلى إمكانية تهديد الأمن الشخصي والقومي بل يصل في بعض الحالات إلى تهديد السلم الدولي حال استخدام الإنترنت في الأنشطة الإرهابية.

وقد برزت الكثير من العوامل التي ساهمت في تعزيز وتضافر الجهود لمواجهة الجريمة الإلكترونية المتمثلة في الرغبة في جمع أو إخفاء المعلومات بطريقة غير مشروعة وتعمد إلحاق الأذى بالأشخاص والجهات الاعتبارية ومحاولة تحقيق الأرباح المادية والإضرار بالأنشطة الاقتصادية للمجتمعات والممارسات السلبية عبر الفضاء الرقمي من خلال نشر الأفكار الهدامة والمنحرفة وعرض المواد الإباحية والاحتيال والتزوير والتأثير المباشر وغير المباشر على القيم الدينية والأخلاقية إضافة إلى الترويج للأفكار المتطرفة ودعم تمويل الإرهاب.

تبرز الجرائم الإلكترونية في نوعين هما، الأول: الجرائم الموجهة ضد جهاز الحاسب الآلي أو أنظمة تقنية المعلومات والاتصالات، والنوع الثاني هو تلك الجرائم التي يكون فيها الحاسب الآلي وسيلة لارتكاب جرائم الاحتيال وسرقة الهويات وبطاقات الائتمان والأرصدة المالية والتزوير والاختلاس وسرقة حقوق الملكية الفكرية والابتزاز والسلوك الانحرافي والاستغلال الجنسي للأطفال.
ومع تزايد عدد مستخدمي الإنترنت ليصل سنة 2014 إلى نسبة 40% من سكان العالم. تصاعدت معدلات الجريمة الإلكترونية وتضاعفت الجرائم وخسائرها المالية التي بلغت 450 بليون دولار، وعدد الضحايا بلغ 556 مليون إنسان، وأضحت الجريمة الإلكترونية تهديدا حقيقيا لأمن المعلومات ومصدر خطورة على الأمن والسلم الدوليين.
وبالإشارة إلى واقع الجريمة الإلكترونية وأساليب مواجهتها، برزت العديد من الدراسات والمباحث أهمها للتقييم الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) المتعلق برصد هذه الجرائم ومعرفة حجمها ونطاقاتها ومستويات تأثيرها مع الإشارة إلى المضامين والأبعاد القانونية المتعلقة بهذه الحالات، حيث احتلت المملكة العربية السعودية المرتبة الأولى عربيا والمرتبة العشرين عالميا، وجاءت دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الثانية عربيا والثانية والعشرين عالميا وكانت سلطنة عمان في المرتبة الثالثة عربيا والسادسة والخمسين عالميا. لذا فقد كان التعاون الدولي والإقليمي لمواجهة الجريمة الإلكترونية من أهم الأولويات التي سعت إليها دول مجلس التعاون، حيث تعد اتفاقية مجلس أوروبا للجرائم الإلكترونية والتي أقرت في المجر - بودابست عام 2011 الأرضية الحقيقة لغالبية القوانين والتشريعات التي أقرت في هذا السياق وتسعى المعاهدة الدولية لمعالجة الجرائم المتعلقة بالكمبيوتر والإنترنت عبر التنسيق بين القوانين الوطنية وقوانين الدول.
واستنادا على ذلك فقد تم إنشاء العديد من المراكز التقنية الوطنية والإقليمية لتمارس دورها التوعوي والتقني في حماية الأمن السيبراني، حيث يوجد في دولة الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال مركز الاستجابة لطوارئ الحاسب الآلي والذي أنشئ العام 2007 لتحسين معايير وممارسات أمن المعلومات وحماية البنية الأساسية لتقنية المعلومات من مخاطر اختراقات الإنترنت.
وفي هذا السياق تسعى الأمانة العامة لمجلس التعاون لتبني فكرة إعداد استراتيجية تفصيلية موحدة لمواجهة الجريمة الإلكترونية وفقا للرؤية والأهداف التنفيذية بدول المجلس، كما تحث الدول للانضمام لاتفاقية مجلس أوروبا (المفتوحة) للجريمة الإلكترونية بوصفها أول وأهم مبادرة عالمية في هذا المجال، كما تعمل الأمانة العامة على تبني إنشاء تحالف خليجي لحماية الأمن السيبراني أسوة بالتحالفات الدولية والإقليمية. مع التأكد من أن تشريعات مكافحة الجريمة الإلكترونية مواكبة للتشريعات العالمية.
أخيرا، يعد عنوان المقال هو ذاته البحث الفائز بالمركز الأول في مسابقة جائزة الراحل الأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله- للبحوث الأمنية للعام 2016، والذي توسع في عرض مفاهيم الجرائم الإلكترونية وسبل مواجهتها، وختمه بنتائج وتوصيات جديرة بالدراسة المتأنية من قبل الجهات المعنية في دول الخليج العربية على وجه الخصوص وفي أقطار وطننا العربي كافة، والبحث من إعداد مجمع البحوث والدراسات -أكاديمية السلطان قابوس لعلوم الشرطة بسلطنة عمان.
فكل الشكر والتقدير على هذا البحث القيم لفريق إعداد الدراسة من منسوبي مجمع البحوث والدراسات في أكاديمية السلطان قابوس لعلوم الشرطة (المقدم سعيد بن سالم البادي، والمقدم زايد بن حمد الجنيبي، والدكتور يوسف الشيخ يوسف حمزة، والدكتور محمد أحمد العطاء).

كاتب بحريني