الفراغ اليمني

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٢/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
الفراغ اليمني

علي ناجي الرعوي

بعد عامين عاصفين من الاحتراب والاقتتال والدمار كان لكل يوم فيهما قصة في حياة اليمنيين هي أقرب إلى التراجيديا الإغريقية، حين تداهم المآسي أصحابها بغير انتظار أو استعداد أو وسائل تمكنهم من صدها، هناك من قد يتساءل ما الذي يعرقل إيقاف الحرب في اليمن رغم تحذيرات المنظمات الحقوقية والإنسانية أن استمرارها سيدفع بالغالبية العظمى من الشعب اليمني إلى أتون محرقة الموت التي تتبلور في صورة مجاعة إنسانية شاملة؟

ما هو باد في المشهد اليمني الحالي يفيد بوضوح أن المعادلة القاسية التي تحمل معها اليمنيون ويلات هذه الحرب التي فخخت حاضر ومستقبل اليمن بالمزيد من دواعي الكراهية والتمزق الداخلي ما زالت رهينة التخبط في الموقف الدولي الذي بدا منذ القذيفة الأولى التي سقطت على صنعاء فجر 26 مارس 2015 وحتى هذه اللحظة التي يطغى عليها اتساع الخرق على الراتق، يظهر وكأنه غير معني بالكوارث والتداعيات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية وارتداداتها التي تتولد عن هذه الحرب غير المسبوقة في اليمن وما يفوق ذلك أهمية هو إدراك الأطراف المنخرطة كافة في هذه الحرب المحلية منها والإقليمية أن لا أحد منها سيخرج في نهاية المطاف منتصرا أو مستفيدا من وراء كل هذا الخراب والدمار الذي حل بأشد البلدان العربية فقرا وتخلفا.

إذا كان من مستفيد محتمل فلن يكون سوى التنظيمات الإرهابية وتجار السلاح في الغرب الذين يؤدون دورا مهما في استمرار هذه الحروب وتعميقها واستعصائها ويتجلى الشاهد هنا في موقف الدول الخمس الدائمة بمجلس الأمن من الحرب في اليمن التي يجري التعاطي معها من دون أي اكتراث يذكر أو اهتمام ينبئ عن حرص هذه الدول بمعاناة الإنسان اليمني جراء هذه الحرب التي تشعر من أن استمرارها لا يلحق أي ضرر بمصالحها وإنما على العكس من ذلك فإن إدامتها يخدم مصانعها العسكرية عبر صفقات السلاح التي تزايد الطلب عليها في العامين الفائتين على حساب استنزاف الكثير من المال الخليجي.

على خلفية هذه المصلحة تصبح الحرب الدائرة في اليمن مجرد فرصة مالية ضخمة لشركات الأسلحة الأمريكية والغربية، فتناغمت المواقف داخل أروقة مجلس الأمن الدولي إلى حد كبير إزاء ما يتصل بملف اليمن، فلم نجد أي تعارض ولو هامشي بين الدول الخمس الدائمة كما هو حال هذه الدول التي تنقسم إلى فسطاطين أو معسكرين إزاء مسارات الملف السوري وكمثال على هامشية الملف اليمني دوليا فإنه وبعد ما يقارب العامين من انطلاق (عاصفة الحزم) لم نلحظ أن قامت دولة من الدول الخمس بطرح مشروع قرار أمام مجلس الأمن يدفع بعجلة السلام في اليمن نحو الأمام بما يخرج هذه العملية من حالة المراوحة والدوران في الفراغ إلى حالة الانطلاق، بل يمكن القول إن تجاهل الجميع لتأثيرات ما يحدث في اليمن جعل من تلك الحرب موضوعا منسيا في الأدراج ليتحول هذا التجاهل إلى عثرة في طريق التوصل إلى وفاق ممكن بين الأطراف المحلية واتفاق القوى الإقليمية على الأسس الضامنة لحل الأزمة اليمنية.

لهذه الأسباب وغيرها كان لابد أن تفشل جهود الأمم المتحدة في إحداث أي اختراق في مفاوضات السلام التي رعتها في سويسرا والكويت، فقد حاول مبعوثها إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد منذ تعيينه بديلا لجمال بنعمر تحقيق الحد الأدنى من التوافق بين الأطراف المحلية والإقليمية المتصارعة على الساحة اليمنية، لكنه أخفق ووجد نفسه شيئاً فشيئاً يفقد مصداقيته لدى هذه القوى بتهمة انحيازه لهذا الطرف أو ذاك ليصل الأمر إلى قيام المجلس السياسي المشكل كأعلى سلطة من (تحالف صنعاء) ممثلا بجماعة أنصار الله وحزب الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح إلى مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة بتغيير هذا المبعوث الذي لم يتمكن من فهم وقراءة الحالة اليمنية بعين الواقع من وجهة نظر هذا الطرف مما أثر سلبا على مجريات الوضع والأحداث والصراع الناشب في اليمن. يرى بعض الخبراء والمحللين السياسيين أن ما يدور من حرب وصراع سياسي معقد في اليمن هي حرب وصراع إقليمي على النفوذ فيما يرجع آخرون طبيعة هذه الحرب إلى عوامل داخلية متعلقة بالصراع الداخلي على السلطة وما يبرز من التدخلات الخارجية ليس سوى غطاء لخارطة الصراعات ذات الأبعاد المذهبية في المنطقة، وأيا كان الأمر فما يؤسف له حقا أن الكارثة التي يتعرض لها الإنسان اليمني صارت مركبة ولا تضاهيها أية كارثة أخرى، فالإنسان اليمني يموت الآن إما بالقتل مباشرة أو بالموت بصورة غير مباشرة عن طريق الحصار والفقر والجوع والمرض، ومع ذلك ما كان لهذه الكارثة أن تستمر كل هذا الوقت لو تعززت القناعة لدى اللاعبين الرئيسين على المستوى الدولي من أن هناك جيلا جديدا يولد في اليمن على ثقافة العنف الذي لن يهدأ بلا واقع يستوعبه أو يعيد إليه الأمل. لم يعد الأمر مرتبطا بشعور الفاعلين الأساسيين في مجلس الأمن أن اليمن تمثل منطقة منخفضة الثمن وأن الحرب باتت تستخدم من قبل هؤلاء ليس أكثر من ورقة للمقايضة والمجاملة مع الدول الخليجية والعربية والمنضوية في (عاصفة الحزم)، كما أن الأمر لم يعد يتوقف على دور الأمم المتحدة التي تشعر بشكل عام أن اليمن أقل حظا في حسابات المصالح المباشرة للدول الكبرى التي ترتبط بعلاقات سياسية واقتصادية وعسكرية وثيقة مع دول التحالف العربي بل أن المعضلة الكبرى التي لم يستوعبها مجلس الأمن والأمم المتحدة هي أن اليمن وبفعل كل هذه العوامل والأوضاع الاقتصادية والإنسانية هو من يتجه لأن يصبح ساحة مفتوحة للفوضى تتقاذفها الخناجر المسمومة بالعنف والكراهية والفراغات التي ستملأ بالتطرف والمتطرفين والإرهاب والإرهابيين والخنادق والمتخندقين الذين إذا ما خرجوا من قمقمهم فإن من الصعب إعادتهم إلى هذا القمقم.

كاتب يمني