الاستثمار في الثقافة.. بيت الزبير أنموذجاً

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٢/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
الاستثمار في الثقافة.. بيت الزبير أنموذجاً

علي بن راشد المطاعني
ali.matani2@gmail.com

يعمل القطاع الخاص في السلطنة على الاستثمار الاجتماعي بعض الشيء، في إطار برامج المسؤولية الاجتماعية وخدمة المجتمع، وهناك تطور متباين في هذا الشأن يمضي بشكل تدريجي في العديد من المؤسسات والشركات في البلاد، إلا أن الاستثمار في الثقافة من قبل القطاع الخاص ما زال دون المستوى المطلوب، فلم نلحظ أي استثمار في هذا المجال من الشركات العمانية، اللهم إلا مؤسسة الزبير التي تضطلع بالعديد من المشاريع الثقافية المهمة في البلاد ترفد عبرها جهود الدولة في النهوض بهذا القطاع الحيوي كأحد الركائز التي يمكن أن تسهم في خدمة المجتمع‏، وهو أمر نتطلع إلى أن يتجسد في كل الشركات العاملة في السلطنة في المرحلة المقبلة لما له من أهمية كبيرة في تعضيد دور الثقافة في المجتمع.

ومن دون شك فإن مسؤوليات القطاع الخاص في النهوض بالاستثمار الثقافي كجزء من الواجبات الاجتماعية يعود بالقطع بقيمة مضافة عالية، سواء للقطاع نفسه أو المجتمع بشكل عام، ومن الأهمية ربط الثقافة بالاقتصاد باعتبارهما يشكلان أهم الضمانات للتنمية المستدامة والتي ينبغي ترسيخها اجتماعيا من خلال تحويل الجوانب الثقافية إلى موارد اقتصادية ذات قيمة مادية تسهم في توفير دخل مجز للمتعاملين مع الثقافة، وتضمن استمرارية التعامل مع الثقافة واستدامتها مع كل تطور للمجتمع، ومواجهة المتغيرات التي تعصف بالجوانب الثقافية والتراثية في ظل موجة التطور التكنولوجي وآثارها السلبية القادرة على طمس وسحق كل ما له علاقة بالثقافة والتراث وفي إطار النزال الكوني المرير ما بين ثقافتنا الوطنية وما بين الوافد إلينا، عبر الوسائل والوسائط الإعلامية المحدثة، من معتقدات وأفكار وثقافات لا تمت لنا بصلة.
إن الريع العائد لمجتمعنا لقاء استثمار القطاع الخاص في مصانع أو معامل الثقافة إذا جاز لنا التعبير له كما أشرنا دور فاعل في رفد الجهود الحكومية الهادفة إلى الارتقاء بهذا القطاع في ظل محدودية الموارد المخصصة له، وفي ضوء الالتزامات الكبيرة لعملية التنمية التقليدية والتي تقابلها قسوة غير مقصودة على التنمية الثقافية، وإن كان من المفترض أن يسيرا معا وبذات الزخم وبغير أن ينتقص أحدهما من الآخر، من هنا يأتي دور القطاع الخاص في تأكيد استمرارية ذات الزخم ورفده، ليس لسد النقص في الموارد فقط، وإنما لتعزيز العلاقة بين مكونات الثقافة وبين القطاع الخاص، الذي يبدو أنه بعيد حتى الآن عن هذا الجانب.
فالأبعاد الاقتصادية للثقافة ما زالت غير معلومة أو غير مرئية وبالتالي ليست قادرة على توليد الثروات ومن ثم المساهمة في التنمية الاقتصادية.
ونأمل أن تغدو مسألة النهوض بالصناعة الثقافية والاستثمار فيها، من جانب القطاع الخاص قضية الساعة، من خلال دعمه للمشاريع الثقافية وإيجاد كوادر وطنية قادرة على الإبداع الفكري.
فمن الأهمية إخراج الثقافة من نطاقها الفكري إلى النطاق الاقتصادي الذي يسهم في إثراء الحركة الثقافية ومواجهة التحديات التي تواجهها كأحد أضلاع التنمية المستدامة في أي دولة كانت، والبحث لها عن موضع يتناسب مع أهميتها في بناء المجتمعات، فمن الطبيعي أن يشكل الإخلال بهذا الجانب قصورا في البناء المعرفي في مفهوم التنمية الشاملة التي ننتهجها.
ثمة نماذج محلية في بداياتها ما برحت تضع بصمتها في بلورة إسهام القطاع الخاص في الجانب الثقافي لمؤسسة الزبير تتجسد في بيت الزبير، وهو ذراع الاستثمار الثقافي الذي يقود العمل في العديد من الجوانب، كمتحف بيت الزبير الذي يعد مقصدا سياحيا ومتحفا متكاملا بمفهوم المتاحف المتعارف عليه، ويشكل مع المتاحف الحكومية إضافة قيمة تشد إليها السياح والزوار.

ثم نجد أن التأليف ونشر الكتب والمجلدات المصورة هي الأخرى أفرع ترفد المكتبة العمانية بمكنونات ومكونات ثقافية ذات مستوى عال تعكس المقومات الطبيعية والتاريخية والتراثية في السلطنة، وهي مقومات أقل ما يقال عنها إنها ثروة، وإثراء لحركة الثقافة بدعم الملتقيات الثقافية والمعارض التي تسهم في إضفاء الديناميكية على الحركة الثقافية والأدبية في البلاد، فهذه المؤسسة التي بدأت تشق طريقها في الاستثمار في الثقافة لها مدلولات كبيرة في تعزيز دور القطاع الخاص في هذا المجال ومن الأهمية أن نرى مبادرات مماثلة ذات قيمة عالية.

بالطبع هناك جهود تبذل من جانب بعض المؤسسات في دعم الفعاليات الثقافية بشكل غير منظم ومستدام لإثراء الثقافة في المجتمع، وما نحتاجه في المرحلة المقبلة هو المحافظة عليها واستمرار دعمها.

نأمل أن نشهد التفافا وتكاتفا من القطاع الخاص، وبخاصة من المؤسسات الكبيرة لبلورة كيانات ثقافية في هذه الشركات تعنى بالثقافة ودورها في المجتمع لما لذلك من أهمية في تعميق الوعي الثقافي وإثرائه بما يتواكب مع متطلبات المرحلة في بناء أجيال تعي مفاهيم التنمية ومدلولاتها من خلال الازدهار الثقافي المنتظر، وتسهم في دفع الحراك الثقافي قدما للأمام.