تصالح السوريين يؤكد الحكمة العُمانية

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠١/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٥٠ ص
تصالح السوريين 

يؤكد الحكمة العُمانية

إعلان مكتب المبعوث الدولي إلى سوريا ستافان دي ميستورا قبل أيام أن الأطراف السورية في جنيف «وافقت على إجراء مفاوضات مباشرة وجها لوجه» والذي وفر حالة من الفرح غمرت كل محبي السلام في العالم، يدفع تلقائيا إلى تذكر سياسة السلطنة ومواقفها فيما يتعلق بالخلافات والحروب وانحيازها الدائم إلى تغليب السلام على الحرب والركون إلى العقل والحكمة، فما ظلت السلطنة تكرره وتؤكده وملخصه أن «المساحة بين بدء العنف ونهايته تمتلئ بالخراب والدمار والدماء» وأن «كل هذا لا يمكن أن يوصل إلى نتيجة وحل للمشكلة» وأن «الأطراف ذات العلاقة ستجد نفسها في نهاية المطاف مضطرة للجلوس إلى طاولة مفاوضات وحوار»، ما ظلت تكرره السلطنة هو ما وفر مكتب دي ميستورا عليه مثالا عمليا بذلك الإعلان، فبعد كل هذا الذي حدث في سوريا وكل الدمار والخراب الذي حل بها وكل الدماء التي سفكت والمجازر التي ارتكبت وجدت الأطراف ذات العلاقة نفسها مجتمعة إلى طاولة واحدة لتتحاور وتتفاوض وتتخذ قرارا بوضع نقطة في نهاية السطر والعودة إلى الحياة من جديد، وهو ما يعني أن من خسر حياته في تلك الفترة بقراره خسرها من أجل لا شيء، فالدمار الذي أحل بسوريا وبالشعب السوري أرجع الجميع إلى نقطة البداية التي كان يمكن حسم الأمور فيها من دون أن يمروا ويمرروا وطنهم في كل هذه الآلام وكل هذا الخراب الذي إن سهل تشييد بناء جديد بدلا عنه لم يسهل ترميم ما أصاب النفوس بسببه.

فور الإعلان عن التوصل إلى هذا الخيار -وإن كان متأخرا- تبادل الناس عبر «الواتس آب» رسالة تضمنت كلاما يصب في هذا الاتجاه، لا أعرف مصدره ولا كاتبه، ولكنه مهم ويؤكد ضرورة إعمال العقل بدل الدخول في حروب تنتهي بالاجتماع إلى طاولة مفاوضات وحوار بغية الاتفاق. تقول الرسالة «بعد صراع دام أكثر من 6 سنوات بين المعارضة والنظام السوري، دمرت فيه البنية الأساسية، وقتل أكثر من نصف مليون سوري، وشرد أكثر من نصف الشعب، والكثير الكثير من الكوارث الإنسانية والحقوقية والاقتصادية، جلست المعارضة السورية بكل أطيافها صفا واحدا أمام السلطة السورية في جنيف للتفاوض والحوار». ثم يطرح كاتبها سؤالا مهما هو «لماذا إذن سفك الدماء والتعنت والرفض في بداية الأزمة؟ هل الفاتورة التي دفعها الشعب السوري تبرر هذا العبث؟ وهل نتعظ مما حصل في سوريا؟».

رسالة مهمة وأسئلة في غاية الأهمية لا تحتاج إلى شطارة للإجابة عنها، فما حدث ولا يزال في سوريا وحدث ولا يزال في العراق وفي ليبيا واليمن وقبلها في لبنان وغير لبنان لا يدخل إلا في باب العبث والاستخفاف بحياة الناس ومنجزات الأوطان، فهذه النهاية كان يمكن التبكير بها والتوصل إليها دونما الحاجة إلى اللجوء إلى السلاح.
مع هذا الطرح لا يمكن القول إلا إن السلطنة تكسب، وبه تكسب دائما، فسياسة السلطنة في هذا الخصوص معروفة وهي تلخص حكمة وبعد نظر صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم الذي وفر للعالم العديد من الأمثلة عن إمكانية حل المشكلات بين أي دولتين مهما تعقدت بالحوار وبالتفاوض وبالتفاهم، ووفر مثالا مهما وعمليا أيضا عن إمكانية تطوير العلاقات بين الدول وإبعاد شبح الحرب عنها، فالسلطنة لا تعادي أي دولة في العالم وتبقي يدها ممدودة لكل دولة ترغب في تطوير علاقاتها بها.
لا للحرب، نعم للسلام. هذا هو الشعار الذي ترفعه السلطنة وتوفر له ترجمة على أرض الواقع، فالسلطنة مثال عملي لهذا الشعار، لهذا لا يمكن أن تجدها طرفا في أي حرب تدور بين أي طرفين وتجدها بدلا عن ذلك توظف قدراتها وخبراتها الدبلوماسية لإصلاح ذات البين وإرساء السلام والمحبة. أما في خصوص سوريا فالجميع يعرف أن الدبلوماسية العمانية بذلت جهودا كبيرة لإيجاد مساحة يمكن لكل الأطراف ذات العلاقة بالمشكلة الوقوف عليها، والمنصف لا يمكن إلا أن يذكر جهود السلطنة في هذا الذي تم التوصل إليه أخيرا وإن لم تتوفر المعلومة الدقيقة عن ذلك، فسياسة السلطنة هي العمل في صمت واختيار الكتمان سبيلا حتى ينتهي كل شيء. شخصيا لا أشك لحظة في أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين المعارضة السورية والنظام السوري وأعلنه مكتب المبعوث الدولي إلى سوريا هو نتاج جهود شاركت فيها السلطنة بفاعلية، ولعل الجميع يتذكر الزيارة التي قام بها الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية العماني معالي يوسف بن علوي بن عبدالله إلى دمشق وكذلك استقبال السلطنة لوزير الخارجية السوري في مسقط.
العالم اليوم يقف أمام حقيقة مهمة مفادها أن الحروب لا تنتج إلا الخراب والدمار وأنها مهما طالت فإنها تنتهي بالتفاوض والحوار، وبما أن الحال هكذا فإن الأولى هو عدم اللجوء إلى الحرب بغية حسم الأمور وتحقيق المكاسب واتخاذ الحوار والتفاهم عن ذلك بديلا.
النهاية التي وصل إليها السوريون والأطراف ذات العلاقة بالمشكلة السورية هي نفسها التي سيصل إليها اليمنيون وكل الأطراف ذات العلاقة بالمشكلة اليمنية مهما طالت الحرب فيما بينهم وقست، وهي نفسها التي سيصل إليها الليبيون وكل بلاد اختارت طريق الحرب. الشيء الوحيد الذي تحققه تلك الحروب هو الدمار والخراب وسفك الدماء. هذه هي باختصار رسالة السلطنة إلى كل العالم.

كاتب بحريني