كارل بيلدت
يبدو أن خطأ قد حصل في السياسة الغربية ففي الولايات المتحدة الأمريكية يبدو أن الملياردير القوي ونجم تلفزيون الواقع دونالد ترامب سيفوز بالترشيح الرئاسي للحزب الجمهوري وفي طول أوروبا وعرضها تتفشى الشعبوية بشكل أو بآخر.
نحن نشهد ظهور ما أطلق عليه «الربع الغاضب» وفي الجزء الغني من العالم فإنه يبدو أن حوالي ربع الناخبين يشعرون بالغضب الشديد وخيبة الأمل والانعزال عن الأحزاب السياسية والتيارات الرئيسية. إن من الممكن أن نعزو جزءا من ظاهرة الناخب الغاضب لعوامل محلية أو مؤقتة: إن السياسة في كل مكان عادة ما تكون متقلبة ولكن هذه الظاهرة هي ناتجة كذلك عن اتجاهات طويلة المدى والتي تغير بشكل كبير الأنظمة السياسية في الغرب.
خلال العقود القليلة الفائتة رأينا انحدارا ومن ثم تدهور الخطاب البطولي والذي تم على أساسه بناء الأنظمة السياسية الأوروبية فمن نشر بيان العمل الشيوعي سنة 1848 وحتى سقوط الإمبراطورية السوفياتية تم إلهام وحشد جزء كبير من جمهور الناخبين في القارة بسبب الرؤية المتعلقة بالاشتراكية.
وفي ذروة عصر الصناعة فإن عصر الإنتاج الضخم انعكس على السياسة والتي كانت تدور حول مؤسسات المجتمع الكبيرة. لقد أصبحت الجماعية وليست الفردية العقيدة المعاصرة وكانت دولة الشعب هي أساسها المتين.
أما اليوم فكل شيء يتغير وبسرعة فالحلم الاشتراكي قد ألقي في مزبلة التاريخ والعولمة تحول المجتمعات وأصبحت الطبقة الوسطى المتعاظمة العمود الفقري للمجتمعات والتي يفصلها عن الفقر المدقع جيل أو جيلين وإذا أضفنا إلى المشهد الهجرة ووسائل التواصل الاجتماعي فإن من غير المفاجئ أن جزءا كبيرا من السكان الغربيين يشعرون بأن مجتمعهم قد ضل طريقه.
عندما يخشى أفراد من المجتمع اعتقدوا أنهم على الجانب الرابح من التاريخ بأن يصبحوا من الخاسرين فإن النتيجة هي تحول راديكالي في السياسة وفي طول أوروبا وعرضها فإن أحزاب يسار الوسط الكبيرة والتي كانت تحصد عادة 40%أو أكثر من أصوات الناخبين قد بدأت تخسر مواقعها وبالكاد تتجاوز نسبة 20%من الأصوات.
وكما كان لليسار الديمقراطي خطابه البطولي، كذلك فعل اليمين الديمقراطي ونظرا لأنه عادة ما كان ذلك اليمين منظما من أجل معارضة الاشتراكية فإن الخطاب المحافظ كذلك قد خسر الكثير من بريقه ومجده على الرغم من تمكن الاتجاه المحافظ من التأقلم وذلك عن طريق إعادة التموضع وذلك كقوة ذات مصداقية من أجل إدارة الأوقات الاقتصادية الصعبة.
لقد كانت هذه التحولات جارية منذ عشرات السنين لكن الجمود حتى وقت قريب قد أضعف تأثيرها بينما احتفظت الأجيال القديمة بالولاءات السابقة لكن أولئك المشاركين لأول مرة هم على أتم الاستعداد لتبني ما هو جديد ومع عدم وضوح خطوط المعارك القديمة فإنه يتم إعادة تشكيل السياسة بشكل تدريجي لتصبح مسابقة بين أنصار المجتمعات المفتوحة والمعولمة والمدافعين عن القبلية التي تركز على الأمور الداخلية.
إن للقبلية شعبية قوية في فترات التغيير السريعة والمضطربة بينما يضغط ما أطلق عليها الفيلسوف السياسي كارل بوبير «توتر الحضارة» على المجتمع. إن مسألة الهجرة هي مسألة قوية على وجه الخصوص فالقبيلة الوهمية والأسطورية تتعرض للهجوم من قبل الجحافل الغازية من أماكن بعيدة حيث يمكن أن نرى تأثير ذلك في كل مكان اليوم فيجب بناء جدار ضد المكسيك والمملكة المتحدة يجب أن تستعيد السيطرة على حدودها وألمانيا يجب أن تغلق أبوابها فالمجتمع يجب أن ينغلق وبسرعة فالبرابرة قادمون.
إن هذه المشاعر ليست جديدة ولكن في الماضي كان يمكن إدارتها عن طريق القوى السياسية التي بنيت حول الخطاب البطولي لليسار أو اليمين وبينما فقد هذا الخطاب قوته انفتحت أبواب المشهد السياسي على مصراعيها.
إن هذا التحدي سوف يبقى، فشعبية ترامب قد تبهت وزعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبن قد لا تصبح رئيسة وفي إيطاليا فإن حركة النجمة الخامسة بقيادة الكوميدي بيبي جريلو قد لا تتبلور لتصبح حزبا سياسيا قابلا للحياة ولكن حتى يحل الخطاب الجديد مكان الخطاب القديم فإن التحول التاريخي في السياسة سوف يؤدي ببساطة إلى ظهور قادة آخرين يستغلون نفس الغضب والمخاوف. إن المدافعين عن المجتمعات المفتوحة يجب أن يحشدوا الدعم لإفكارهم ويتمسكوا بقيم الغرب ويمنعوا دعاة الشعوبية من توسيع الربع الغاضب. إن تحقيق ذلك التوازن سيكون صعبا لأنه سوف يتطلب التعامل مع القلق والمخاوف الناتجة عن التغيرات السريعة والتي تمتد في طول العالم وعرضه. إن من غير الصعب تفهم الشعبية المتعاظمة للشعبوية وهذه الشعبية تعني إن محاولة إقناع الآخرين بفكرة الانفتاح قد أصبحت أكثر أهمية.
وزير خارجية السويد من 2006 إلى 2014