القاهرة – ش لم تكن أمريكا بقوة جهازها المخابراتي قادرة على الإيقاع بالشيخ عمر عبدالرحمن مؤسس الجماعة الإسلامية، بدون ذلك الضابط الأمريكي صاحب الأصول المصرية الذي يُدعى باسم يوسف، حيث نجح في الإيقاع به حتى تمت محاكمة الأخير، حتى صدر القرار بسجنه مدى الحياة في يناير 1996، لتنتهي حياته أمس السبت في السجون الأمريكية.
في 26 فبراير 1993 فوجئت أجهزة الأمن الأمريكية بوقوع تفجير في مبنى التجارة العالمي بنيويورك، مخلِّفاً وراءه 6 وفيات وأكثر من ألف مصاب، وذلك بفعل سيارة مفخخة كانت أمام البناية حينها، لتتجه أصابع الشك نحو القيادات الإسلامية الموجودة في مختلف الولايات حينها، وعلى رأسهم د.عمر عبدالرحمن.
ظلت السلطات الأمريكية عاجزة عن الإيقاع بأي متهم لفترة، إلى أن وجدوا ضالتهم في المصري باسم يوسف، وهو المنضم لجهاز الـ"FBI" منذ العام 1988، ووقع اختيارهم عليه بسبب إجادته التحدث باللغة العربية، بحسب ما نشر في صحيفة الشرق الأوسط.
هاجر "باسم" إلى الولايات المتحدة الأمريكية مع أسرته وهو في الـ13 من عمره، وبعد فترة نال الجنسية الأمريكية، ويشهد له الكثيرون بكفاءته في عمله، ويقول عنه المسؤول عن مكتب الـFBI بلوس أنجلوس السابق «إدوارد كوران»: «كان الضابط الوحيد في ملاحقة مصادر تنظيم القاعدة بصورة مباشرة، لم يحدث هذا من قبل، ولم يحدث مرة أخرى».
بوقوع تفجير مبنى التجارة العالمي توجه جهاز الـFBI إلى الضابط باسم يوسف، والذي لجأ إلى حيلة زرع جاسوس وسط بعض الجماعات الإسلامية في نيويورك.
وبالفعل نجح يوسف في تجنيد الضابط المصري عماد سالم للعمل لصالح الـFBI، وزرعه ضمن الجماعات الإسلامية وأتباع د.عمر عبدالرحمن، لتصبح لمكتب الاستخبارات الفيدرالية عين تكشف بها العالم السفلي للجماعات المتشددة.
استطاع عماد الاندماج وسط أتباع عمر عبدالرحمن، وأصبح من رواد مسجد أبوبكر الصديق في بروكلين، حسب ما دونه الكاتب السعودي جمال خاشقجي بصحيفة الوسط، وكان أنيقاً ومهذباً للحيته.
كان عماد مواظباً على الحضور باستمرار في المسجد، لكنه اختفى وقت وقوع التفجير، وعاد بعد فترة منها، وقال له أحد الرواد فور رؤيته، حسب رواية خاشقجي: "هو أنت لا تظهر إلا في وقت المشاكل".
مع عودة عماد المفاجئة كان جميع رفاقه بدأوا في الارتياب منه، وحاولوا تجنبه في مناسباتهم الرسمية، رغم ذلك نجح في أن يكون له أصدقاء وسط الجالية، ونقل خاشقجي تبرير أحد الأعضاء، ويُدعى أحمد عبدالستار، بأن الجالية مجرد تجمع من المسلمين والمهاجرين حديثي الهجرة، يرحبون بابن البلد في الغربة وليست عصابة أو جماعة سرية عليها أن تسأل وتتحرى عن أي وجه جديد يظهر بينها.
الجميع تمتع بعلاقة طيبة مع عماد خاصةً د.عمر عبدالرحمن وإبراهيم الجبروني، وكان يقدم لهما نفسه على أنه «عقيد متقاعد»، رغم أنه في حقيقة الأمر نقيب متقاعد.
واستغل عماد علاقته القوية بكل من عمر عبدالرحمن وإبراهيم الجبروني للإيقاع بهما، بعد أن تسبب للأخير في اتهام السلطات الأمريكية له بتهريب المسجون سيد نصير والتخطيط لتفجيرات نيويورك، بعد أن كانت تهمته الأساسية هي تعطيل سير العدالة فقط.
وروى الجبروني، حسبما دوّن خاشقجي: اتصل بي عماد بحجة أنه يريد أن يساعد في الدفاع عن سيد نصير، وكنت في ذلك الوقت متفرغاً تماماً للجنة الدفاع عن سيد، وبالتالي كنت أرحب بكل من يمد لي يد المساعدة، والحق أن عماد كان متحمساً معنا ولم أدرك أنه كان يخدعنا.
وبعد نجاح حيلة «عماد» في الإيقاع بـ«الجبروني» تحمس لإكمال مهامه الاستخباراتية مع د.عمر عبدالرحمن، وبالفعل استغل المعاملة الطيبة من جانب الشيخ الكفيف وراحته في الحديث معه، ليوجه له أسئلة تتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية في إحدى الجلسات.
حينها كانت إجابات د.عمر عبدالرحمن تتمتع بصراحة كبيرة كونه يتحدث بأريحية مع أحد أعضاء الجالية الإسلامية في نيويورك، لكن كانت المفاجأة في أن «عماد» يسجل كل كلمة يتفوه بها الشيخ الكفيف، لتصبح هذ الشهادة في قبضة الـ«FBI».
بعد هذا الصراع الاستخباراتي الطويل كرَّمت الـ«FBI» ضابطها المصري الأمريكي باسم يوسف، وحصل على وسام «الخدمة المتميزة» حسب المنشور بصحيفة «الشرق الأوسط»، وهو الأعلى درجة من الأوسمة التي يمنحها الجهاز، بعد نجاحه في زرع الجاسوس عماد سالم الذي أوقع القيادات الإسلامية المتورطة في تفجير نيويورك، حسب "المصري اليوم لايت".