صلالة - عادل بن سعيد اليافعي
احتل البخور ومنذ القدم مكانة خاصة لدى العمانيين، فهو ينتج في بلادهم ومن ثم يتوفر بكميات في منازلهم وبأنواع مختلفة. وتمتاز محافظة ظفار بإنتاج البخور واللبان، ويعرف السكان المحليون المتخصصون في إنتاجه وصناعته وبيعه، نوعه وجودته وأسعاره والأصلي منه والمغشوش ورخيص الثمن والغالي منه. لكن هذا لم يستمر طويلًا فالقوى العاملة الوافدة كما يقول الباعة المحليون باتوا يسيطرون على هذه التجارة ويزاحمون البائعين العمانيين وفي كثير من الأحيان يقومون ببيع أنواع رديئة من البخور بعد خلطها بأنواع ذات أسعار مرتفعة، إذ إن المشتري لا يعرف الأنواع والبائع العماني يقدم المعلومات والنصح للمشتري حول الأسعار والجودة. سوق الحصن هو السوق الرائج لبيع البخور فهو قبلة الأهالي من محافظة ظفار وقبلة السواد الأعظم من المواطنين من محافظات السلطنة الأخرى. ويرى بعض الباعة أن هناك تدميرًا معنويًا لحرفة وصناعة محلية كانت في السابق مصدر رزق لهم ولأسرهم بسبب الأيدي العاملة الوافدة التي تزاحمهم على البيع سواء القوى العاملة الوافدة النظامية أو الهاربة من مقار عملها، فصارت هذه القوى العاملة تسيء إلى صناعة محلية منذ القدم وتدخل المواد المغشوشة في تركيبتها ومكوناتها ما أدى إلى تغيير رائحة وجودة البخور الظفاري. وقد أكد مدير دائرة التشغيل وتراخيص العمل بالمديرية العامة للقوى العاملة بظفار الشيخ علي بن ناجي محسن اليافعي لـ»الشبيبة» أن فرق التفتيش في المديرية تقوم بحملات ينتج عنها ضبط بعض الأشخاص من القوى العالمة الوافدة السائبة. كما أكد مدير دائرة الشؤون الصحية ببلدية ظفار منير بن عوض يحيى الجدياني أن بلدية ظفار تقوم بالتنسيق الدائم مع كافة الجهات المعنية للحفاظ على أهمية هذا السوق والاهتمام بجودة ومواصفات السلع المهنية والحرفية التقليدية العمانية في هذا السوق.
كساد كبير
خلال جولة لـ»الشبيبة» في السوق استوقفتنا ونحن نستطلع السوق وما به من تغيرات كبيرة وشبه جذرية مبروكة بنت عبيد كوت وهي إحدى الحرفيات والبائعات في السوق منذ سنين، حيث بدا على محياها التعب والقلق مما يحدث في السوق ، وقالت: إن السوق في السابق كان له الكثير من الأخلاقيات والانضباط، والرزق كان يعم الجميع دون أي تميز أو عجز، أما ما يحدث الآن فهو أن السوق أصبح مرتعًا لكل متسول وكل هارب من كفيله ولكل من يرغب أن يقطع رزقنا، فأصبح البخور الظفاري الذي يعد من أكثر الروائح تميزًا بين البخور العماني والخليجي عرضة للغش من قبل الوافدين.
أين الجهات المعنية؟!
أما أمانة الله بنت مسعود رمضان شجنعة وهي إحدى البائعات الحرفيات بسوق الحصن فلا تقل معاناتها عن سابقتها حيث قالت إن من يرغب في أكل لقمة العيش الكريم والحلال يجب أن تكون هناك جهات تحميه من القوى العاملة السائبة والوافدة والتي تنافس المواطن في رزقه وبطرق ملتوية وذات غش تجاري واضح وتدخِّل صارخ في حرفة عمانية ظفارية أصيلة ومعروفة، وللأسف أن هذا الأمر يحدث حيث أصبحت القوى العاملة الهاربة موجودة في السوق ووجدت ملاذًا لها بمساعدة أقرانهم.
وخلال موسم الخريف تم إدخال أعداد كبيرة من القوى العاملة الوافدة إلى السوق والملفت للنظر أنهم افترشوا الشوارع والممرات بسوق الحصن وتم تأجير الطاولة لهم من قبل البعض بـ800 ريال عماني في الشهر، وهذا الأمر أخلَّ بتوازن السوق ونحن أناس بسطاء ونعيش على هذا الباب المفتوح من الله سبحانه وتعالى ومن حكومة مولانا جلالة السلطان- حفظه الله ورعاه- والذي يعد الراعي الأول للحرفين العمانيين.
أوضاع صعبة
وتشعر هدية بنت فرج مستهيل بيت سليم بأن وضع السوق أصبح مربكًا ومقلقًا، فتقول: نشعر بالخطر على أرزاقنا وهذا ما جعلنا نتحدث اليوم وتحدثنا سابقًا مع جهات عدة ولا نعلم أين نتجه بسبب ضغط العمل اليومي والمحاربة التي نراها يوميًا أمام أعيننا من القوى العاملة الوافدة والتي أصبحت إلى درجة أنهم أصبحوا يلبسون الأزياء العمانية تنكرًا وخاصة العاملات الهاربات من المنازل.
أرقام مزعجة
من المفارقات التي تحدث عنها أصحاب الأعمال وصاحبات الأعمال بسوق الحصن القديم أن موسم الخريف بلغ عدد زواره 529 ألفًا و908 زائرين بنسبة نمو بلغت 23.7% مقارنة بالفترة نفسها من العام 2015 وفق ما أشارت إليه نتائج مشروع حصر زوار خريف صلالة، وهذه الزيادة تعد كبيرة مقارنة بأعوام فائتة إلا أن هذا الأمر لم يغير في أوضاعنا شيئًا وبالكاد نصل إلى ربحية 5000 ريال عماني، وهذا الرقم مخيف مقارنة بما كنا ندخله في السابق خاصة إذا علمنا أن أغلب الزائرين للسوق هم من الخليجين وهؤلاء لديهم قوة شرائية عالية وكنا نستفيد منهم بشكل كبير، ولكن بعد المنافسة الشرسة أصبحوا يتجهون إلى القوى العاملة الوافدة والتي أصبحت تحاصر الجميع في كل مكان بل أصبحوا يختارون المواقع البارزة في السوق ويعملون فيها على حساب محلاتنا القائمة والتي تتجاوز أكثر من 30 محلًا للمواطنين وقس على ذلك أكثر من 60 مواطنة عاملة في هذه المحلات ولديها أسرة ومسؤوليات كبيرة اتجاههم .
القوى العاملة
في سياق متصل، أشارت وزارة القوى العاملة إلى وجود قرار وزاري رقم 22 - 2005 والقاضي بتعمين هذه المهنة بولاية صلالة.
وقال مدير دائرة التشغيل وتراخيص العمل بالمديرية العامة للقوى العاملة بظفار الشيخ علي بن ناجي محسن اليافعي لـ»الشبيبة» إن فرق التفتيش في المديرية تقوم بحملات ينتج عنها ضبط بعض الأشخاص من القوى العالمة الوافدة السائبة وهؤلاء تم ترحيلهم والبعض من هذه القوى العاملة الوافدة تمت إحالة ملفاتهم إلى الادعاء العام، أما عن نوع الحملات فيقول: الحملات من قبل فريق التفتيش فقط وأحياناً هناك حملات مشتركة مع هيئة حماية المستهلك أو البلدية.
ويضيف: المشكلة التي تواجهنا هي إثبات أن هذه القوى العاملة الوافدة تعمل في هذه المهنة بشكل مباشر، حيث إن هناك نساء من كبار السن ويصعب عليهن العمل بشكل كامل في المحل إنما يرغبن في الحصول على عامل لمساعدتهن في تنظيف المحل وكذلك فرز اللبان وبعضها من الأعمال التي يصعب عليهن القيام بها، وهذا ليس له علاقة بالبيع إنما بأعمال النظافة وفرز للبان وهذا أمر طبيعي في الأيام العادية، وهناك تجاوزات تحصل ولكن أغلبها في المواسم والأعياد وكذلك موسم الخريف وهذه تجاوزات نعتبرها مؤقتة إلا أنها تنافس العماني صاحب هذه المهنة والموجود على رأس عمله في السوق. ويضيف مدير دائرة التشغيل وتراخيص العمل بالمديرية العامة للقوى العاملة بظفار أن السوق يخضع لرقابة ومتابعة مستمرة من قبل فريق العمل بشكل أسبوعي، ونتجاوب مع أي بلاغ يرد في أي وقت إلا أن المشكلة ليست في السوق إنما في من يزاول المهنة في البيوت والأماكن الخاصة والأحياء السكنية وهنا الضرر والمنافسة السلبية للمنتج العماني المعروف وبالأخص البخور الظفاري والذي يعكس صورة سيئة لدى السائح وكذلك الزائر من مناطق السلطنة الأخرى، حيث ضبطنا أشخاصًا يقومون بهذه الأعمال بمنازلهم ولمواجهة هذه المشكلة ينبغي على الجميع التعاون. أما فيما يخص الأشخاص المستثنين من غير العمانيين للعمل بهذه المهنة بسوق الحصن فهن النساء المتزوجات من عمانيين ولديهن أبناء، فالقانون هنا يجيز لهن ممارسة المهنة سواء كن أرامل أو مطلقات.
ولضبط الوضع داخل السوق يقول اليافعي: يجب إعادة تنظيم السوق من جديد والعمل على إعطاء هذه المحلات لرواد الأعمال وأصحاب مشاريع رفد وسند وغيرها من المشاريع، حيث إن هذا السوق يحتاج إلى تنشيط وضخ دماء جديدة تنعشه والحفاظ في الوقت نفسه على ما هو قائم وناجح لصاحبات المحلات الموجودات منذ زمن طويل ويعملن بنجاح خاصة أن هذا الإجراء سيفتح فرص عمل جديدة وسيقضي على منافسة القوى العاملة الوافدة لهذه المهنة. ويضيف: أتمنى تعاون جميع العمانيين وأقصد أصحاب المحلات بشكل حقيقي وقطع الطريق على كل من يرغب في اقتحام هذا السوق وكذلك التجار الذين هم خارج السوق أتمنى ألا يتعاونوا مع هذه القوى العاملة وأن يساعد التاجر العماني خاصة في المهن المعمنة، أما من جانبنا فهناك متابعة وهناك حالات كثيرة تم كشفها من قبل بعض التجار الذين يقومون بالبيع للقوى العالمة الوافدة.
بلدية ظفار
ويؤكد مدير دائرة الشؤون الصحية ببلدية ظفار منير بن عوض يحيى الجدياني لـ»الشبيبة» حرص بلدية ظفار على إتاحة المجال للمواطنين للاستفادة من هذه الأسواق ومنها سوق الحصن، حيث دأبت بلدية ظفار ومن خلال العديد من الأنشطة على إعطاء الأولوية للمواطنين ويتضح ذلك من خلال مهرجان صلالة السياحي حيث تمنح بلدية ظفار أصحاب الحرف والمهن ومعدي المأكولات العمانية مواقع للاستفادة في مثل هذه المواسم السياحية، وكذلك هو الحال في المرافق والأسواق التي تأتي ضمن إطار مسؤوليات واختصاصات وإدارة بلدية ظفار. وفي ما يخص سوق الحصن الذي يعدُّ من الأسواق القديمة في المحافظة والذي ترجع إدارته لبلدية ظفار فإن بلدية ظفار تدير هذا السوق الذي يضم في جنباته 93 محلًا وفق معايير وقوانين واضحة ومخصصة للمواطنين العمانيين للاستفادة من هذه المحلات، ويأتي دور البلدية في إدارة السوق وتنظيمه والرقابة الصحية وأعمال النظافة العامة، وفيما يخص القوى العاملة الوافدة والتي تعمل في هذه المحلات فإن هذا الأمر لا يأتي ضمن الاختصاص المباشر لبلدية ظفار، حيث إن هناك جهات أخرى معنية بتنظيم شؤون القوى العاملة العمانية والوافدة، مع الإفادة بأن بلدية ظفار تقوم بالتنسيق الدائم مع كافة الجهات المعنية للحفاظ على أهمية هذا السوق والاهتمام بجودة ومواصفات السلع المهنية والحرفية التقليدية العمانية في هذا السوق الذي يمثل واجهة للموروث الحضاري للسلطنة في محافظة ظفار.