ينسب إلى «دونالد ترامب»، أنه لن يسمح للتفاصيل الصغيرة مثل الاحتلال والقضية الفلسطينية والاستيطان أن تجعله يحيد عن نظرته وهدفه الرئيسي داعش، وسوريا، والإرهاب وإيران، وتزويد إيران المنظمات الإرهابية بالأسلحة، وتمددها في المنطقة، فاستراتيجية «ترامب» هي قص جناحي إيران ومنع وجودها العسكري في الشرق الأوسط والرد بإخراج قواتها وحزب الله من سوريا، فهو يتهم إيران بأنها أكبر راعية للإرهاب في المنطقة، فالإدارة الأمريكية تعمل حالياً على إعداد عقوبات اقتصادية شبيهة بتلك التي فرضتها إدارة الرئيس الأسبق، أما بالنسبة للسياسة الأمريكية تجاه روسيا، فقد صرحت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة «نيكي هيلي» بأن بلادها لن ترفع العقوبات المفروضة على روسيا ما لم تتوقف الأخيرة عن العبث باستقرار أوكرانيا، وتسحب قواتها من شبه جزيرة القرم، والحقيقة أن الرئيس الأمريكي ما زال يتخبط، فهو وإدارته لم يضعوا استراتيجية الولايات المتحدة بالنسبة للشرق الأوسط خاصة، ولدول العالم عامة، ولذلك من الصعب الحكم على سياسة الولايات المتحدة قبل الإعلان الرسمي عن استراتيجيتها، مع أن معالم هذه الاستراتيجية غير مطمئنة. لقد جاء في بيان البيت الأبيض «3-2-2017» أن المستوطنات، أو البناء الاستيطاني، في المستوطنات القائمة، من شأنها ألا تساعد على تحقيق السلام في الشرق الأوسط، وأضاف البيان جملة مهمة: «لا يوجد للبيت الأبيض موقف رسمي إزاء النشاط الاستيطاني الإسرائيلي، لا معها ولا ضدها»، قبل اللقاء بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» خلال الأسبوع المقبل، كما أن البيت الأبيض في بيانه أبقى مصير الاستيطان بيد «نتنياهو»، ويعطي إسرائيل ضوءا أخضر بعدم الممانعة بمواصلة البناء داخل المستوطنات القائمة، وأن بناء مستوطنات جديدة، أو توسيع المستوطنات القائمة، خارج حدود المستوطنات الحالية، يمكن أن يكون غير مجدٍ على صعيد تحقيق الهدف بحسب البيان، حتى أن إعلان إسرائيل عن بناء (6000) وحدة استيطانية جديدة في القدس والضفة الغربية، جرى دون تعليق من قبل إدارة «ترامب»، مما يعطي انطباعاً للإسرائيليين أن عدم تعليق أو إدانة الإدارة الأمريكية لقرار البناء الاستيطاني الجديد، أنها لا تعارض استمرار البناء، وهذا تحول دراماتيكي عن مواقف جميع الرؤساء الأمريكيين السابقين، بأن هذا الاستيطان غير قانوني، وعائق أمام تحقيق السلام، لكن البيان يحث جميع الأطراف الامتناع عن اتخاذ إجراءات من شأنها تقويض القدرة على إحراز التقدم (دون توضيح) بما في ذلك الإعلان عن البناء الاستيطاني، فالموقف الأمريكي يناقض نفسه بنفسه.
إن اعتراف البيت الأبيض بشأن الاستيطان بحسب المعلومات القائمة، أمر لم يسبق له مثيل لأي إدارة أمريكية سابقة، ولا للمجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي، وهذا يشكل تجاوباً مع المطالب الإسرائيلية، والاعتراف بضم القدس، والوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية، سواء أقامت الدولة الفلسطينية أم لم تقم، ويتعارض هذا البيان، بفحواه تماماً، مع قرار مجلس الأمن الدولي، وخاصة الأخير رقم (2334) الذي أخرج المستوطنات من دائرة الشرعية، فيما اعتبر بيان البيت الأبيض أن المستوطنات لا تشكل عائقاً بوجه السلام، وهذا على عكس جميع القرارات والمواقف الدولية السابقة.
إن عمليات البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، تأخذ وتيرة متسارعة وفي سباق مع الزمن، وبينما يتهم نائب الكنيست من حزب العمل «عوفر شيلح»، «نتنياهو» وحكومته بأنها بلا رؤية سياسية، بل التركيز على الاستيطان، فإن «نتنياهو» ينادي بحل الدولتين، ويعمل عكسه، فالخطوات الاستيطانية التي يقوم بها لن تتيح إمكانية إقامة دولتين، بينما الوزير أوري أرئيل من حزب البيت اليهودي يقول: ستقوم هنا دولة واحدة بين البحر والنهر وهي دولة إسرائيل، أما الوزير «نفتالي بينت» رئيس حزب البيت اليهودي فقال: «هذا هو الوقت الملائم لفرض المزيد من الحقائق على الأرض في الضفة الغربية، لكي يكون بين الأردن والبحر فقط دولة إسرائيل اليهودية»، جاء ذلك في خطاب ألقاه أمام مديري المؤسسات الدينية اليهودية في إسرائيل، فاليمين الإسرائيلي والقادة المستوطنون يطالبون «نتنياهو» أن يخرج من فمه كلمات تقول إن خطة حل الدولتين ماتت، في المقابل بحسب «هاآرتس 27-1-2017»، فإن الحديث عن دولة ثنائية القومية يتزايد، وأن البديل هو الانهيار.
إذ صح ما نشرته جريدة «هاآرتس 2-2-2017»، أن جهات أمريكية بعثت مؤخراً برسالة واضحة إلى القيادة الفلسطينية نقلت، بحسب الجريدة، من خلال محادثة هاتفية من القنصلية الأمريكية في القدس: أن أي توجه من قبل الفلسطينيين إلى محكمة لاهاي الدولية ضد إسرائيل، بسبب البناء الاستيطاني، فإن الإدارة الأمريكية ستقابل ذلك بخطوات شديدة ضد السلطة، منها إغلاق مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ووقف المساعدات الاقتصادية للسلطة، وخطوات أخرى تلحق أضراراً شديدة بمكانة السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية، إضافة إلى أن الإدارة الأمريكية لن تقوم بالتعامل مع السلطة الفلسطينية في الوقت الحاضر، وإذا صحت هذه المعلومات، فإنها تعتبر انقلاباً على السلطة، ونسفا للديمقراطية الأمريكية المزعومة، الأمر الذي ينهي السلطة الفلسطينية عملياً.
إسرائيل التي كانت تعد للاحتفال بتسلم «ترامب» للسلطة تراجعت، وتعتبرها قبل أوانها، إلى أن تتضح حقيقة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، هذه السياسة التي تراها إسرائيل غير واضحة، بل ومتناقضة أحياناً، خاصة تختلف عن ما أعلن عنه في حملته الانتخابية، فإن تردده في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، أثار الشكوك حول وعوده، من جهة أخرى فإن تهديدات السلطة الفلسطينية كثيرة مع وقف التنفيذ، فهناك قرار اتخذه المجلس المركزي للمنظمة لوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، لم يفعل، وتصريحات بأن لدى السلطة أوراقا كثيرة، منها حل السلطة، وتسليم المفاتيح ذهب أدراج الرياح، وأن توجه السلطة إلى محكمة جرائم الحرب الدولية مع أهميته، فإنه معقد، فهذه المحكمة تعمل على نار باردة، خاصة بالنسبة لإسرائيل، فإن التنفيذ يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن الدولي، وهذا غير مضمون، وجاء قرار الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 6-2-2017، بتشريع قانون التسوية، الذي سيشرع المستوطنات المقامة على ملكية فلسطينية خاصة، ويعطي الاحتلال المزيد من نهب الأراضي من خلال قانون إسرائيلي غير قانوني، فأنا لا أدعو لليأس وفقدان الأمل، بل إن المطلوب من القيادة الفلسطينية البحث عن بدائل جديدة وسريعة قبل ضم الضفة الغربية بأكملها لإسرائيل.
مدير دار الجليل للنشر والدراسات الفلسطينية