معركة «عض الأصابع» بين إيران وترامب

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٢/فبراير/٢٠١٧ ٠٤:٤٨ ص
معركة «عض الأصابع» بين إيران وترامب

أحمد المرشد
بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب معركة صعبة ومبكرة ضد إيران، وشن هجوماً عليها وسرعان ما تبعه هجمات أخرى متلاحقة من أركان إدارته ضد الجمهورية، التي اغترت كثيراً بسنوات باراك أوباما، عندما حصلت على الاتفاق النووي بمباركة مجموعة الدول (5+1)، وهو الاتفاق الذي رعته الولايات المتحدة ودعمت كافة مراحله حتى أنها هي التي مهدت لتوقيعه بعدما مر بمراحل تفاوض صعبة. وكانت إدارة أوباما تسعى جاهدة لإزالة كل الخلافات بين المتفاوضين، بل كانت في عجلة من أمرها لتوقيع الاتفاق، بصورة جعلتنا نشك في نواياها تجاه منطقتنا، وكان معنا كل الحق في هذه الشكوك.

نقول إن المعركة بين ترامب وإيران لا تزال في بداياتها ومراحلها الأولى، فما زال الوقت مبكرا لحكمنا، رغم يقيننا أنه -أي ترامب- ربما يكون واثق من نفسه في اتخاذ القرارات وعدم التراجع فيها مثلما كان الحال في منع قراره الرافض استقبال رعايا بعض الدول، لأن التراجع هنا كان ناجما عن قرار قضائي، أي خطأ ليس جوهريا ارتكبه ترامب في إعلانه منع دخول هؤلاء، ولم ينتظر الإجراءات الرسمية لاتخاذها من قبل إدارة الهجرة الأمريكية.
وربما من مبعث عدم استعجالنا في تقييم تصريحات ترامب المعادية لإيران، هو خبرتنا بالسياسة الأمريكية، فهي سياسة تبنى دائما على المصالح، ليست المصالح المشتركة ولكن مصالح أمريكا فقط، فربما يكون من مصلحة ترامب في الوقت الراهن محاباة إسرائيل، فيسرع بمهاجمة السياسات الإيرانية في المنطقة ويبدأ من تجربة طهران للصاروخ الباليستي ودعمها لأنصار الله في اليمن الذين استهدفوا مؤخرا فرقاطة سعودية.. وربما يكون ترامب قد رأى هذا مقابل تراجعه عن تنفيذ وعده الانتخابي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو القرار الصعب على واشنطن اتخاذه وتم تأجيله في كل الإدارات الأمريكية المختلفة، وبالتالي اكتشف ترامب أن هذا الوعد صعب التنفيذ، ومن ثم سيترك وزارة الخارجية الأمريكية لتجديد موقفها الأسبق وهو تأجيل نقل السفارة كما فعلت على مدى السنوات الفائتة.
نعود إلى المعركة التي بدأها ترامب ضد إيران، ورأينا كيف حذر نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس إيران من «اختبار حزم» إدارة الرئيس دونالد ترامب، بعد أيام من فرض واشنطن مجموعة من العقوبات الجديدة على طهران عقب إجرائها تجربة الصاروخ الباليستي.. ويزيد هذا التصعيد من جانب واشنطن تدهور العلاقات بين البلدين منذ تولي ترامب مهمات الرئاسة الشهر الفائت، على خلفية تهديد الرئيس الأمريكي بتبني موقف متشدد من إيران التي يرى أنها «عدائية» تجاه الولايات المتحدة. ولنا أن نتمعن جيدا في كلمات نائب الرئيس الأمريكي: «سيكون من الأفضل لإيران أن تدرك أن هناك رئيسا جديدا في المكتب البيضاوي، وألا تختبر حزم هذا الرئيس الجديد». وأضاف: «الإيرانيون حصلوا على اتفاق مع المجتمع الدولي نعتقد -الرئيس وأنا وإدارتنا- أنه اتفاق سيئ للغاية». وتأتي تصريحات بينس بعد أيام من إعلان وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس أن «إيران هي أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم». ورغم أن ماتيس ووزير الخارجية ريكس تيلرسون قالا: «إن الولايات المتحدة ستلتزم بالاتفاق»، إلا أن بينس أبدى شكوكا حيال ذلك قائلا: «نجري تقييما لذلك في الوقت الحالي».
هذه التصريحات الأمريكية المتشددة حيال إيران، دفعت بالفعل جميع مستشاري ترامب الإسراع بطلب عقد اجتماع عاجل بحضور الرئيس لاتخاذ قرار يكون مضمونه متشددا ويؤكد للساسة الإيرانيين بشكل لا لبس أن هذا الرئيس الأمريكي حازم جدا لدرجة ترتب على إيران التفكير مرتين بشأن مواصلة أعمالها العدائية»، علما بأن العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية الجديدة علي إيران عقب تجربتها الصاروخ الباليستي مجرد بداية وليست نهاية الطريق في التصعيد.. فوفقا للبيت الأبيض: «كل الخيارات مطروحة على الطاولة» بما في ذلك الخيار العسكري.
وإذا استثنينا ما سبق من مواقف أمريكية متشددة حيال طهران، فأمامنا موقف أشد جاء على لسان مايكل فلين مستشار الأمن القومي الأمريكي، والذي قد نأخذه على محمل الجد، لأنه شخص يدرك معنى كلماته وتهديداته، خاصة وأن تحذيره لإيران كان واضحا وليس مجرد تصريحات حيث اتخذ درجة تصعيد أخرى بقوله: «إيران بشأن أعمالها الأخيرة٬ ومن ضمنها إطلاق صاروخ باليستي وهجوم المسلحين الحوثيين المدعومين من إيران ضد سفينة تابعة للبحرية السعودية٬ تقوض الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط».. ولنا أن نعلم أن إطلاق الصاروخ الباليستي الأخير قد مثل تحديا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 الذي يدعو إيران إلى «عدم القيام بأي أنشطة تتعلق بالصواريخ البالستية المصممة لتكون قادرة على حمل أسلحة نووية بما في ذلك إطلاقها باستخدام تقنية الصواريخ البالستية».
والسؤال هنا، هل لنا أن نتوقع في ظل هذه التصريحات والمواقف الأمريكية الجديدة، أن تتخلى واشنطن عن التزاماتها بموجب الاتفاق التاريخي الذي أبرم بين إيران والقوى الكبرى عام 2015، وقلصت إيران بموجبه نشاطاتها النووية مقابل رفع تدريجي للعقوبات المفروضة عليها؟ خاصة في ظل أن واشنطن وطهران تتجهان نحو اختبار قوة حقيقي. ولكن ثمة مشكلة خطيرة في هذه الحالة، لأن أي اختبار قوة بين الطرفين سيؤثر على المنطقة استراتيجيا وعسكريا، خاصة لو كانت مياه الخليج هي ساحة هذا الاختبار المحتمل. والساحة الثانية قد تكون الأراضي اليمنية، وهذا ما أعلنته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية في إشارتها إلى طبيعة الخلاف الحالي بين أمريكا وإيران. وما كشفته المجلة نقلا عن مناقشات مستشاري الأمن القومي الأمريكي، يشير إلى أن اليمن ستكون الساحة الأولى للمواجهة بين الجانبين، في إطار رغبة ترامب الحالية في القضاء على الطموح الإيراني في المنطقة.
لقد بدأت فعلا معركة «شد الحبل» بين إدارة ترامب وإيران، أو مرحلة «عض الأصابع» بين الطرفين ولا ندري من سيحقق النصر فيها، هذا في ظل أن قادة إيران ليسوا بالأغبياء كي يستفزوا إدارة أمريكية جديدة تتربص بهم وتنتظر منهم أن يبتزوها بأي موقف مبالغ فيه.. خاصة أن «الثعلب» علي أكبر ولاياتي المستشار السياسي للمرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، رد على التهديدات الأمريكية واستهان بها، وقال: «ليست المرة الأولى التي يقوم بها شخص يفتقد إلى الخبرة بتهديد إيران، وعلى الأمريكيين ألا يطلقوا التهديدات الفارغة وعليهم أن يعوا أن إيران أكبر قوّة في المنطقة. وهذا التصريح لولاياتي هو الذي أطلق الحرب بين العاصمتين فعلا، وليس تهديدات ترامب وأعضاء إدارته، لأن قبلت دخول اللعبة ومسايرة الأمريكيين في المواجهة.
فالإيرانيون بغض النظر عن مدى تحقيقهم الهدف العسكري من إطلاق الصاروخ، إلا أنهم أيضا حققوا هدفا آخر أكثر أهمية لهم، وهو اختبار واشنطن ورؤية رد فعلها، أي أن الإيرانيين هم الذين بدأوا الاختبار.

كاتب ومحلل سياسي بحريني