الإعلام كأداة إرهابية

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٢/فبراير/٢٠١٧ ٠٤:٤٨ ص
الإعلام كأداة إرهابية

د. فيصل القاسم

كلنا يعرف أن الإعلام سلاح ماض، تستخدمه الدول، والجماعات للإخضاع، والهيمنة، والترويض. ففي الغرب، مثلاً، تعد وسائل الإعلام، والدعاية عتلة هائلة لتطويع المجتمعات، وبرمجتها، وتسييرها في خط معيّن. ولا تغرّنكم الشعارات الديمقراطية السخيفة، التي تتفاخر بحرية التعبير، والصحافة الحرة، فليس هناك إعلام لوجه الله، إلا ما ندر. ويعترف الكاتب الأسترالي الشهير جون بلجر أن الإعلام في الغرب هو أداة ترويع من نوع ما، فكما تستخدم الدول الشمولية العنف لتركيع مجتمعاتها، وتطويعها فإن الدول «الديمقراطية» الغربية تستخدم الإعلام لضبط شعوبها، وإخضاعها. بعبارة أخرى، فإن الإعلام الغربي، وسيلة تحكم، وردع من نوع ما. ولا فرق بين الإرهابين «الديمقراطي»، والشمولي إلا في الوسيلة فقط.

لكن، وكي نكون عادلين، لابدّ من الإشارة، إلى أنّ الدول الشمولية، لا تلجأ إلى القمع، فقط، في تدجين مجتمعاتها، بل تستخدم وسائل الإعلام أيضاً بطريقة عنيفة، بحيث يلعب الإعلام العربي، بكافة أشكاله، وتوجهاته، دور الرديف لوسائل العنف والقمع في الدول العربية، أي أنه يمارس اللعبة الغربية، ذاتها، القائمة على الإرهاب، والردع الإعلامي، لكن بشكل أكثر فظاظة وفجاجة وترويعاً لإرهاب الشعوب وبرمجتها، على اعتبار أن الإعلام الغربي يذبح بـ»القطنة».
لو أرادت وسائل الإعلام العربية الحكومية مثلاً أن تبرمج مواطنيها ضد قضايا أو أشخاص معينين، تدفع عندها بترسانتها الإعلامية، كي تشن حملة دعاية عنيفة، ومسعورة عليهم، فتصورهم على أنهم رأس الشر والبلاء، وألد أعداء الوطن والشعب، وأنهم «رجس من عمل الشيطان فاجتنبوهم». وتستخدم التكرار الممل، لجعل المتلقين يتقبلون تحريضها، ووجهة نظرها تجاه تلك القضية، أو ذاك الشخص، فتمطرهم بوابل مدرار، من البرامج، والمقالات، والتعليقات صباح مساء ضد الجهة المستهدفة، بحيث يُبرمج العقل الباطن للمشاهد، أو المستمع، أو القارئ، على كره تلك الشخصية المستهدف شيطنتها، وتشويهها، ونبذ القضية المقصود تنفير المتلقين منها.
وقد لاحظنا كيف تشيطن الحكومات العربية معارضيها، فتوعز لوسائل إعلامها، بأن تصورهم على شكل مخلوقات رهيبة، أو «كلاب ضالة»، تصيب الذين يقتربون منها بداء الكلب (السعار)، حتى لو كانوا من أفضل الناس، فتوجد في ذهن المتلقين صورة مخيفة للشخصيات المشيطنة، وترسخها، كي تصبح حقيقة واقعة، فيتحول الشعب ضدها، بشكل أوتوماتيكي، وينبذها. وحتى لو تعاطف البعض معها في سره، فهو يبقى خائفاً من الإعلان عن تأييده أو تعاطفه معها، خوفاً من بطش السلطة وسياطها. كيف لا، وقد هدده الإعلام بعدم تقبلها. ونحن نعرف من التجارب البسطية، أن أحدنا يمكن أن يأخذ موقفاً معادياً، من شخص ما، لمجرد أن شخصاً آخر، حرضنا عليه وقال بحقه كلاماً سيئاً، فما بالك أن تتولى تلك المهمة وسائل إعلام محترفة في التخويف، والإرهاب، والتحريض.
وبذلك تكون وسائل الإعلام الرسمية، قد أدت وظيفتها الإرهابية الخطيرة بجعل متلقيها أسرى لرسالتها، وتعليماتها، ورهن إشارتها، وتحت تأثيرها. والويل، كل الويل، لمن يحاول الخروج على الوصفة الإعلامية الموضوعة لشيطنة هذه الشخصية، أو تلك القضية، فيصبح خائناً للوطن، ووجبت معاملته، إعلامياً، بنفس الطريقة، التي يتم التعامل فيها، مع الشأن، أو الشخص، الذي حاول أن يتعاطف معه. لهذا، تجد الناس في الدول العربية، تحاول مجاراة النظرة الإعلامية الرسمية، تجاه الكثير من القضايا، وفي أكثر الأحيان، تحت تأثير الضغط الإرهابي لوسائل الإعلام، فلا يشذّون عن الخط الحكومي قيد أنملة، ولو على مضض. فالتنكر للإعلام الرسمي، جريمة لا تغتفر. كيف لا، وقد أمّمت الدولة العربية كل وسائل الإعلام، ومنعت أي إعلام بديل، يستطيع إبداء رأي آخر حول القضايا المختلفة.
ونستطيع أن نؤكد، أنه حتى في زمن السماوات المفتوحة، وانفضاض الناس عن الآلة الإعلامية الرسمية، فإن تلك الآلة ما زالت قادرة على إلزام شعوبها بوجهة نظرها. وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة، أن وسائل الإعلام، في بعض الدول العربية، استطاعت، رغم فقدانها للمصداقية منذ زمن بعيد، أن تؤلب الشارع ضد بعض المنشقين، بعد أن سلطت عليهم وسائل إعلامها. وقد لام البعض، إحدى الحكومات، على الطريقة الشعبوية الغوغائية، التي تصدت بها للمنشقين، لكنها، لو لم تشن تلك الحملة الإعلامية الشعواء عليهم، لما استطاعت أن ترهب الشارع من مغبة التعاطف معهم. بعبارة أخرى، فهي أرادت من خلال حملتها أن تقول لشعبها: إياك، وأن تفكر بالسير وراء الخارجين على سلطتنا، فهم جديرون بالرجم فقط.
صحيح أن غالبية الشعوب لم تعد تصدق الإعلام الرسمي العربي وتعتبره آلة كذب محترفة، لكن آلة الكذب والبهتان تلك نجحت في بعض بلدان الربيع العربي في ترويض جزء كبير من الشعوب تحت وطأة التخوين والإرهاب الإعلامي، وجعلت الرواية الرسمية صاحبة اليد العليا في البلاد.

إعلامي في قناة الجزيرة