السفر.. وسيلة للتعلم

بلادنا الخميس ٠٩/فبراير/٢٠١٧ ٠٠:٤٢ ص

"كان خروجي من طنجة مسقط رأسي في يوم الخميس الثاني من شهر الله رجب الفرد عام خمسة وعشرين وسبعمائة معتمدًا حج بيت الله الحرام وزيارة قبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، منفردًا عن رفيق أنس بصحبته وراكب أكون في جملته لباعث على النفس… وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور...".
ابن بطوطة، ص5 من كتاب رحلة ابن بطوطة: تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار.

هكذا خطت بداية الرحلة الشهيرة أو بالأصح مغامرة ارتياد الآفاق وسبر أغوار حضارات ذاك الزمان وهي الرحلة التي قصد بها ابن بطوطة أولًا الحج وزيارة قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) لتتحول إلى أشهر الرحلات في التاريخ وكأن صدى مقولة "اطلبوا العلم ولو بالصين" كان يتردد حيث سافر وارتحل.
للسفر قدرة على إحداث تغييرات في الأنماط السائدة في المجتمعات حين يحتك الأفراد والمجموعات المسافرة ويتفاعلون بغرض العلم والدراسة والثقافة وحتى السياحة.. حين يحتكون مع أنماط اجتماعية وثقافية ويتعايشون مع مكونات هذه الشعوب والأوطان وتآلفها بعيدًا عن الدعوات التي ترميهم بالتأثر السلبي ثقافيًا وقيميًا، كما أن السفر يجعلهم يقيمون الأحداث والصور من زواياها المختلفة ويبنون آراءهم الخاصة المعتمدة على البحث والاطلاع والتجربة دون إهمال أو تحييد آراء الآخرين، ليقودوا مسيرة التحول في مجتمعاتهم بطرح الأسئلة وإطلاق المبادرات والمجموعات في ميادين التطوع والقراءة والمعرفة، ويبنون الخطط والاستراتيجيات لنقل معارف الآخر وعلومه من مصادرهم وكأننا نستحضر تجربة دار الحكمة وجهود العباسيين في الترجمة، ليبدأ بعدها إنتاج المعرفة وتحقيق السبق وإضاءة العالم بابتكاراتنا واختراعاتنا وعلومنا من جديد.
وفي سفر الأبناء مع أسرهم فرصة لمقابلة أناس جدد وإقامة علاقات متينة معهم، واستحضر هنا مقولة لأحد أصدقاء السفر يقول فيها: صداقات السفر تمتد، وفيها تأملٌ في الطبيعة وتجارب لمذاقات الأطعمة وتعويد الأبناء على الاعتماد على النفس وتكوين مساحات جديدة.
وعودة إلى ابن بطوطة الذي أرى أن إطلاق مشروع ثقافي باسمه يحمل توجهات لسبر أغوار حضارات العالم هو تكريم لهذا الرحالة ولتوثيق الرحلة وتجسيدها بشكل عصري يفسح لحضارتنا مكانًا مناسبًا للتقدير والإشادة، كأن يكون في صورة معرض متنقل وممتد يستعرض مدن العالم العربي والإسلامي بكنوزها وإسهاماتها العلمية والثقافية وتراثها الشفهي وآثارها النابتة وحضورها في التاريخ، يتنقل بين الأزمنة عبر زر أو فاصل بصريّ يصنع البهجة ويشعل جذوة الأمل لاستعادة الأمجاد.