إنذار كاذب على الصين

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٨/فبراير/٢٠١٦ ٠١:٤٠ ص
إنذار كاذب على الصين

ستيفن س. روتش
كان احتمال الانهيار الاقتصادي في الصين سبباً في إرسال رجفة قوية زعزعت أركان الأسواق المالية العالمية في بداية العام 2016. بيد أن هذه المخاوف مبالغ في تضخيمها. ففي حين لا ينبغي لنا أن نستخف بالاضطرابات في أسواق الأسهم والعملة الصينية، فإن الصين تستمر في تحقيق تقدم مشجع في ما يتصل بإدخال تعديلات بنيوية على اقتصادها الحقيقي. ولابد في نهاية المطاف أن تعمل الصين على حل هذا التناقض بين التقدم على مسار إعادة التوازن الاقتصادي والانتكاسات على مسار الإصلاحات المالية مع دخولها الآن مرحلة حرجة في انتقالها إلى نموذج نمو جديد. ولكن هذا ليس من شأنه أن يفضي إلى أزمة وشيكة.

فبما يتماشى مع تجربة الصين الطويلة في التخطيط المركزي، تواصل تفوقها المعتاد في إعادة هندسة سياساتها الصناعية. وكانت الاتجاهات في العام 2015 مثالاً واضحا. فقد فاق التوسع بنسبة 8.3%في قطاع الخدمات نظيره في قطاعي الصناعات التحويلية والبناء اللذين كانت الغَلَبة لهما ذات اليوم، حيث لم يتجاوز نمو القطاعين معاً 6%في العام الفائت. وارتفع ما يسمى بالقطاع الثالث إلى 50.5%من الناتج المحلي الإجمالي الصيني في العام 2015، وهو ما يتجاوز كثيراً الحصة المستهدفة بنحو 47%في العام 2011، عندما تبنت الصين الخطة الخمسية الثانية عشرة، وأعلى بنحو عشر نقاط مئوية كاملة مقارنة بحصة أنشطة القطاع الثانوي (الصناعات التحويلية والبناء) التي بلغت 40.5%.

ويمثل هذا التحول الكبير في البنية الاقتصادية للصين أهمية بالغة لاستراتيجية إعادة التوازن بقيادة المستهلكين. ويشكل تطوير الخدمات الأساس لتعزيز فرص العمل في المناطق الحضرية، اللبنة الأساسية لتوليد الدخل الشخصي. ولأن قطاع الخدمات الصيني يحتاج إلى زيادة في الوظائف بنحو 30%لكل وحدة من الناتج مقارنة بقطاعي التصنيع والبناء مجتمعين، فقد لعبت القوة النسبية التي يتمتع بها القطاع الثالث دوراً مهماً في الحد من البطالة ومنع عدم الاستقرار الاجتماعي وهو مكمن الخوف الأعظم في الصين منذ فترة طويلة. بل على العكس من ذلك، وحتى في مواجهة تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي، كان عدد فرص العمل الجديدة في المناطق الحضرية أكثر من 11 مليون وظيفة في العام 2015، متجاوزاً بذلك الهدف الذي حددته الحكومة بعشر ملايين وظيفة، فضلاً عن زيادة طفيفة عن 10.7 مليون فرصة عمل في العام 2014. والخبر السيئ هنا هو أن التقدم المبهر الذي حققته الصين على مسار إعادة هيكلة اقتصادها الحقيقي كان مصحوباً بنكسات كبيرة ألمت بأجندتها المالية -على وجه التحديد انفجار فقاعة الأسهم، والتحول غير المدروس في سياسة العملة، وخروج رؤوس الأموال. وهي تطورات مؤثرة بكل تأكيد- وخاصة في بلد يتعين عليها في نهاية المطاف أن تُوائم بين بنيتها الأساسية المالية ومجتمع استهلاكي قائم على السوق.

وتمثل إصلاحات أسواق رأس المال -وخاصة تطوير أسواق أسهم وسندات أكثر قوة لتعزيز نظام الوساطة الائتمانية المهيمن منذ فترة طويلة والذي يتمحور حول البنوك- أهمية بالغة لتحقيق هذه الغاية. ولكن في أعقاب فقاعة سوق الأوراق المالية، يصبح بديل تمويل الأسهم في حكم المتوفى في المستقبل القريب. ولهذا السبب وحده، كانت انتكاسات القطاع المالي الأخيرة في الصين مخيبة للآمال بشكل خاص. بيد أن الانتكاسات ليست كمثل الأزمات. والخبر الطيب هو أن الاحتياطي الهائل لدى الصين من النقد الأجنبي يزودها بوسيلة حماية مهمة ضد أزمة العملة والسيولة الكلاسيكية. بطبيعة الحال، قد تتلاشى هذه الوسادة الحامية فعلياً في غضون ست سنوات إذا استمرت الاحتياطيات الأجنبية في التراجع بنفس المعدل السنوي المسجل في العام 2015 (500 بليون دولار). وكان هذا على وجه التحديد مكمن الخوف الأعظم خلال الأزمة المالية الآسيوية في أواخر تسعينيات القرن العشرين، عندما كان من المتوقع على نطاق واسع أن تتبع الصين خطى اقتصادات ما يسمى بمعجزة شرق آسيا والتي نفدت احتياطياتها في خضم الهجوم الذي انتشرت عدواه على عملاتها. ولكن ما دام ذلك لم يحدث آنذاك، فمن المؤكد أنه لن يحدث الآن: ذلك أن احتياطيات النقد الأجنبي لدى الصين اليوم تعادل 23 ضعف ما كانت عليه في الفترة 1997-1998 (نحو 140 بليون دولار). وعلاوة على ذلك، لا تزال الصين تتمتع بفائض ضخم في الحساب الجاري، وهو ما يتناقض مع العجز الخارجي الكبير الذي أثبت كونه عسيراً للغاية بالنسبة لاقتصادات آسيوية أخرى في أواخر التسعينيات. ومع ذلك، ظلت المخاوف قائمة من عجز الصين في نهاية المطاف عن وقف هروب رأس المال إذا ازدادت حدته. الواقع أن الصين تتمتع بذاكرة قوية عندما يتعلق الأمر بالأزمات وعواقبها.
صحيح أن الصين تعثرت مؤخراً في تنفيذ العديد من إصلاحاتها المالية. ويُعَد إخفاق سوق الأسهم مثالاً صارخاً في هذا الصدد، كما كان الفشل في توضيح النوايا الرسمية بشأن التحول في سياسة أسعار الصرف في أغسطس 2015. ولا ينبغي لنا أن نستخف بمثل هذه الأخطاء. ولكنها أبعد ما تكون عن إحداث الأزمة التي يتصور كثيرون أنها أصبحت وشيكة الآن.