لماذا تحتاج إفريقيا للوقود الأحفوري؟

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٨/فبراير/٢٠١٦ ٠١:٤٠ ص
لماذا تحتاج إفريقيا للوقود الأحفوري؟

بيورن لومبورج

إفريقيا هي أكبر قارة «متجددة» عندما يتعلق الأمر بالطاقة ففي العالم الغني تشكل الطاقة المتجددة أقل من عشر إجمالي توريدات الطاقة. إن التسعمائة مليون إنسان الذين يعيشون في جنوب الصحراء الإفريقية (باستثناء جنوب أفريقيا) يحصلون على 80%من طاقتهم من الطاقة المتجددة.

بينما الشخص في أوروبا أو أمريكا الشمالية يستخدم 11 ألف كيلو واط بالساعة كل سنة بالمعدل (معظمها من خلال العمليات الصناعية)، يستخدم الشخص في منطقة جنوب الصحراء الإفريقية فقط 137 كيلو واط بالساعة - أي أقل من ما تستخدمه ثلاجة أمريكية عادية في أربعة أشهر. إن أكثر من 600 ملايين شخص في أفريقيا لا يحصلون على الكهرباء بالمرة.
إن هذا الأمر لا يعود لكون أفريقيا خضراء ولكن لأنها فقيرة. يتم تلبية 2%من احتياجات القارة من الطاقة الكهرومائية و78%من أقدم وقود متجدد عرفه الإنسان وهو الخشب. إن هذا يؤدي إلى إزالة الغابات بشكل مكثف وتلوث الهواء الداخلي القاتل والذي يقتل 1.3 مليون إنسان كل عام.

إن ما تحتاجه إفريقيا طبقا للعديد من النشطاء أن تنتشر فيها الألواح الشمسية وتوربينات الرياح ولكن عندما استضاف الرئيس الأمريكي قمة للقادة الأفارقة سنة 2014 ذكر معظمهم أنهم يريدون المزيد من الوقود الأحفوري وطبقا لوزير المعادن والطاقة التنزاني سوسبيتر موهونجو: «سنزيد من استخدام الفحم لماذا لا نستخدم الفحم وهناك بلدان أخرى نصيب الفرد من ثاني أكسيد الكربون للشخص فيها مرتفع جدا؟ سوف نمضي قدماً».
لقد أصبحت أوروبا وأمريكا الشمالية غنية بفضل الطاقة الرخصية والوفيرة وفي سنة 1800 كانت 94%من الطاقة العالمية تأتي من الطاقة المتجددة وكلها تقريبا كانت عبارة عن خشب ومواد نباتية وفي سنة 1900 كانت الطاقة المتجددة تشكل 41%من الطاقة وحتى في نهاية الحرب العالمية الثانية كانت الطاقة المتجددة تشكل 30%من الطاقة العالمية ومنذ سنة 1971 فإن حصة الطاقة المتجددة قد استقرت بحيث تصل اليوم إلى حوالي 13.5%ومعظمها تقريبا يأتي من الخشب و0.5%فقط يأتي من الطاقة الشمسية والرياح.

تقدر وكالة الطاقة الدولية أنه لو التزمت جميع الدول بالتعهدات التي قطعتها في مؤتمر باريس للتغير المناخي في الشهر الفائت فإن حصـــة الطاقة المتجـــددة قد تزيد بشــكل بســيط في السنوات الخمس والعشرين المقبلة لتصل إلى 18.7%وفي سيناريو وكالة الطاقة الدولة الأكثر ترجيحا فإن الحصة سوف تصل فقط إلى 15.4%.

إن معظم الطاقة المتجددة سوف تأتي من مخلفات المحاصيل وروث البقر والخشب والوقود الحيوي، وبينما يمكن للوح الشمسي أن يوفر الطاقة لمصباح كهربائي وأن يشحن هاتفاً نقالاً فإنه لا يعمل الكثير من أجل تشغيل المواقد لتجنب التلوث الهوائي الداخلي أو تشغيل الثلاجات للإبقاء على اللقاحات والطعام طازجه ناهيك عن تشغيل الزراعة والصناعة.
طبقا للسيناريو المتفائل فإن الطاقة الشمسية في منطقة جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى بحلول سنة 2040 سوف تنتج 14 كيلوواط بالساعة لكل شخص سنويا؛ أي أقل من ما يلزم لتشغيل مصباح (ل ي دي) بسعة 2 واط بشكل دائم.
إن قلة من الناس في العالم الغني سيتحولون إلى الطاقة المتجددة بدون دعم كبير ومن المؤكد أنه لن يقوم أحد بقطع ربطهم بالشبكة التي عادة ما تشغل بالوقود الأحفوري وتوفر الطاقة الأساسية وذلك في الأيام الغائمة وفي الليل (شكل آخر من الدعم )، لكن يبدو أن النشطاء الغربيين يعتقدون بإن أكثر الناس فقرا بالعالم سيكونون سعيدين بإمدادات كهربائية غير كافية وغير منتظمة.
تقدر وكالة الطاقة الدولية في بحثها الأخير «النظرة المستقبلية للطاقة في أفريقيا» بإن استهلاك الطاقة في أفريقيا سيزيد بنسبة 80%بحلول سنة 2040، ولكن مع تضاعف عدد سكان القارة تقريبا فإنه سوف تتوفر طاقة أقل لكل شخص وعلى الرغم من أن بليون شخص تقريبا سيحصلون على الكهرباء بحلول سنة 2040 فإن 530 مليوناً لن يحصلوا عليها.

لكن وكالة الطاقة الدولية تشير إلى مستقبل محتمل آخر -وهي ما تطلق عليه القرن الإفريقي- وفيه تستثمر الحكومات الإفريقية والجهات المانحة 450 بليون دولار أمريكي إضافي في الطاقة، وهذا سوف يزيد بشكل كبير من استخدام الوقود الأحفوري ويقلل من استخدام أكثر أشكال الطاقة المتجددة تلوثا ويزود 230 مليون شخص إضافي بالطاقة. إن توفير المزيد من الطاقة -يمكن التعويل عليها بشكل أكبر- لحوالي 2 بليون شخص سوف يزيد الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 30%سنة 2040، وكل شخص في القارة سيكون أفضل حالاً بمقدار ألف دولار أمريكي تقريبا كل عام.

أما في الدول الغربية فإن نشطاء البيئة سيركزون على النواحي السلبية -300 مليون طن إضافي من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنة 2040 وتلوث هوائي خارجي أكبر من الاعتماد الأكبر على طاقة الفحم- ويتساءلون لماذا يريد أي شخص زيادة ثاني أكســـيد الكربون والتلوث الهوائي؟ ولكن دعونا ننظر للنفقات والمنافع.
إن البليونات الأربعة الإضافية تقريباً من ثاني أكسيد الكربون التي سوف تنبعث في الجو خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة ستتسبب بإضرار تصل إلى 140 بليون دولار أمريكي من الأضرار الناتجة عن الاحتباس الحراري،
في الوقت نفسه سوف تصبح أفريقيا أغنى بمقدار 7 تريليونات دولار أمريكي تقريبا وسوف يتخلص حوالي 150 مليون شخص من التلوث الهوائي الداخلي وبمنافع اجتماعية بقيمة 500 بليون دولار أمريكي تقريبا، وسوف تصل الطاقة إلى 230 مليون شخص إضافي مما سيوفر فوائد بقيمة 1.2 تريليون دولار أمريكي.
أي بعبارة أخرى فإن التكلفة الإجمالية «للقرن الإفريقي» بما في ذلك التكاليف المرتبطة بالمناخ والصحة ستصل إلى 170 بليون دولار أمريكي، وإن إجمالي الفوائد والتي تصل إلى 8.4 تريليون دولار أمريكي سوف تكون أعلى تقريبا بخمسين مرة.
إن الطرح نفسه يمكن أن ينطبق على الهند وغيرها من الدول النامية، ففي الصين على سبيل المثال زادت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون 500%منذ سنة 1981 ولكن معدل الفقر في البلاد انخفض من 89%إلى أقل من 10%اليوم.

يؤكد النشطاء في البلدان الغنية أن طناً من ثاني أكسيد الكربون يمكن أن يكلف حوالي 50 دولاراً أمريكياً ويجب فرض ضرائب عليه من أجل تخفيض الانبعاثات، ولكن في أفريقيا فإن الفوائد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لمزيد من الطاقة ونسبة ثاني أكسيد كربون أعلى تصل إلى أكثر من ألفي دولار أمريكي بالطن، والتركيز على التكلفة بقيمة 50 دولاراً أمريكياً وتجاهل مبلغ 2000 دولار من الفوائد هو العمى المتعمد.
في يوم ما سوف يخفض الابتكار من سعر الطاقة الخضراء المستقبلية بحيث تخرج الناس من براثن الفقر بشكل أكثر فعالية من الوقود الأحفوري. يتوجب علينا على المستوى العالمي أن نستثمر أكثر من ذلك بكثير في مثل هذا الابتكار، ولكننا لن نحل مشكلة الاحتباس الحراري عن طريق إغلاق طريق الخروج من الفقر لفقراء العالم بشكل ينطوي على النفاق.

أستاذ مساعد في كلية كوبنهاجن للتجارة وهو يدير مركز إجماع كوبنهاجن.