الموارد البشرية بين.. رفاهية «دلعني ووظفني»

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٦/فبراير/٢٠١٧ ٠٠:١٥ ص
الموارد البشرية بين.. رفاهية «دلعني ووظفني»

الموارد البشرية من أهم مقومات العمل والإنتاج حتى في ظل التقنيات والتكنولوجيا الحديثة، ومن هنا تأتي أهمية إعدادها وتدريبها وتعويدها على العمل الجاد وتحمل المسؤولية من بداية المراحل الدراسية، وليس بعد التخرج أو بعد انتهاء الدراسة، لأن أخطاءنا على مستوى الأسرة أو الدول كثيرة في أسلوب تربية الأجيال الحالية التي عاشت حياة الرفاهية الأمر الذي أصبحت فيه هذه الأجيال شبه عاجزة عن خوض غمار الحياة وهي تتسلح بخبرات وتجارب عملية تكتسبها من خلال العمل قي فترات الدراسة المتوسطة أو الجامعية، بشرط أن تكون النظم التعليمية مرنة ومواكبة لمتطلبات واحتياجات العصر، بما يساعدها على الاعتماد على الذات في كل أمورها الحياتية، بدون الاعتماد الأساسي على الأسرة أو الدولة أو على كليهما، لأن توافر مقومات الحياة الناعمة ساعدت على تأصيل ذلك في بعض المجتمعات الغنية التي توفر لهم كل وسائل وسبل الرفاهية، نتيجة لعوائد النفط التي أوجدت معدلات نمو عالية وحالة من الرخاء كما نشهده في كثير من دول الخليج حتى أصبح شعار البعض إن لم يكن معظمه هو «علمني.. دلعني.. وظفني» وهكذا، اعتمادا على أن تقدم له الدولة كل ذلك بدون عناء أو جهد أو تعب، ولكن في المقابل نجد أن الأسرة الأوروبية حريصة على أن تدفع بأبنائها وبناتها للعمل وتشجيعهم على الاستقلال بحياتهم والاعتماد على النفس عند الخامسة أو السادسة عشر من عمرهم وبذلك يكتشفون بأنفسهم واقع الحياة وينخرطون مبكراً في قطاعات العمل التي تناسبهم، ومن لديه القدرة أو الرغبة في التعليم يستكمل دراسته في المجال الذي يعمل فيه، خاصة أن النظم التعليمية العربية غير مؤهلة لإعداد أجيال قادرة على التفاعل السريع مع احتياجات المجتمع وأسواق العمل، وغير قادرة أيضاً على اكتشاف قدرات ومهارات ومواهب الشباب في وقت مبكر، مع تعهدها بالرعاية والصقل، الذي يمكنهم من سرعة الانخراط في مجالات العمل المختلفة، ومن ثم لم يتعودوا الاستقلالية عن الأسرة، أوعلى بذل الجهد أو الصبر في طريق البحث عن وظيفة مناسبة، في ظل عجز الوزارات والمؤسسات الحكومية -التي اكتظت بالعاملين- عن استيعاب جحافل الخريجين التي تتراكم سنوياً في طوابير الباحثين عن فرصة عمل، تحت مظلة معدلات البطالة التي تعاني منها حتى دول الخليج، والتي تعد عالية جداً بالمعايير العالمية، وذلك على الرغم من وجود أعداد كبيرة من القوى العاملة الأجنبية خاصة في القطاع الخاص الذي يعتمد عليها بشكل أساسي، إلا أن القطاع الخاص -باستثناء الشركات الكبرى- لم يعد بديلاً مناسباً أمام تطلعات الشباب وطموحاتهم، حيث انتشرت مؤخراً معتقدات للمسؤولين في دوائر وأقسام الموارد البشرية التي صارت فلسفتها لا تعيينات جديدة حتى ولو كبديل للمنتهية خدماتهم لأي من الأسباب، والاكتفاء بما لديها من عاملين حتى ولو كان ذلك مؤثرا على حجم العمل أو جـــودة الإنتاج بدعـــوى ترشيد الإنفاق، وقد يكون ذلك نتيجــــة طبيعيـــة لتراجع أسعـــار النفط، ولعدم تحقيق حالات التنمية الاقتصادية الشاملة والتي لا تتأثر كثيرا بتقلبات أسعار النفط، بعد أن أضحت مشكلة الباحثين عن عـــمل تمثـــل واحـــدة من أخطـــر المشكلات التي تواجهها معظم الدول النامية والمتقدمـــة، وخطورة المشكلة لا تتمثل في ازدياد أعـــداد الباحثين عن العمل وما يمثله ذلك من هــــدر للموارد البشرية، وما ينجم عنه من هدر وخسائـــر اقتصادية فحسب، بل إن الخطورة تتمثل في النتائج الاجتماعية والسياسية التي تصاحب التعطل، حيث تعد البطالة هي البيئة الخصبة والمواتية لنمو العنف والجريمة والتطرف بين الشباب في ظل عالم متغير بصراعاته الفكرية المختلفـــة، لذلك من المهم ألا تغلق تماماً منافذ التوظيف في القطاع الخاص أمام الشباب في هذه الفترة، لأنه الوجهة الوحيدة المؤهلة والمناسبة لذلك، للتخفيف من حدة المشكلة التي تعد قنابل موقوتة لا تستطيع الحكومات مواجهتها بمفردها، وذلك حتى تنقشع أزمة تراجع أسعار النفط، ويستطيع سوق العمل استيعاب أكبر عدد من الباحثين عن العمل، وحتى نصحح من أخطائنا في تشجيع مواردنا البشرية من خلال الأسرة والمدرسة والجامعة على الاعتماد على النفس والقدرة على التحدي والتخلص من السلبية والتقاعس والاتكالية.

محمد محمود عثمان
mohmeedosman@yahoo.com