نعـــــم لثقـــافة الإبـــداع.. لا لثقــــافة الإيـــداع "استراتيجيات تدريس العلوم وتنمية التفكير الإبداعي"

بلادنا الأحد ٠٥/فبراير/٢٠١٧ ٠٤:١٥ ص

مثلى بنت علي الريامية

التفكير ميزة ونعمة عظيمة وهبها الله الإنسان ليعمّر هذه الأرض ويكتشف مكنوناتها، وفي ظل هذا التقدم العلمي والمعرفي الهائل الذي يشهده العالم حولنا والتغيّرات المتسارعة في شتى مجالات الحياة، أصبح من الضروري الرقي بتفكير كل فرد يعيش في مجتمع معاصر. لذا أصبح اليوم تعليم مهارات التفكير والنهوض بالتفكير الإبداعي لدى الناشئة مطلباً، وضرورة تسعى إليه مؤسسات التعليم العالمية نظراً للعلاقة التبادلية بين الفرد والمجتمع، فعملية تربية الفرد وتعليمه تتأثر بالمجتمع وفلسفته، وبالمعلم وطرق وأساليب تعليمه وبالتكنولوجيا الحديثة. ومن هنا رُفعت النداءات بضرورة الاهتمام بفكر المتعلم وطريقة إعداده والرقي به لمجابهة الحياة وجعل التفكير الإبداعي مطلباً عاماً لا خاصاً.
فالإبداع هو سلوك أو إنتاج مفيد ومناسب فريد من نوعه. ويتأثر الإبداع بالعوامل البيئية والمواقف المختلفة والفروق الفردية، والقدرة على الإبداع غالباً ما يندرج تحت نوع التفكير التباعدي بدلاً من التفكير التقاربي (Studente , Seppala & Sadowska , 2016). حيث عرف جيلفرود (1967) حسب ما جاء في دراسة ستوديني وسيبالا وسادووسكا (Studente , Seppala , & Sadowska, , 2016) التفكير التباعدي على أنه القدرة على عرض المواقف بطريقة جديدة ومبتكرة، وإنتاج العديد من الحلول للمشكلة ذات النهاية المفتوحة. والطالب المبدع دائماً هو القادر على توليد عدد كبير من الأفكار المتنوعة والتعبير عنها بطلاقة، وذو تفكير أصيل لا يكرر أفكار الآخرين ويبتكر حلولاً فريدة لمشكلاته بالنظر إليها من زوايا مختلفة والانتقال من تفكير إلى تفكير آخر بكل مرونة.
تنمية الإبداع ضرورة بل مسعى أساسي يجب أن تتجه ميادين التربية نحوه، وبصفة خاصة المناهج وطرق التدريس وعليها أن تعمل على وضع المتعلم في البيئة التي تساعد على صقل الملكات الإبداعية لديه بطرق عملية باعتبارها أساساً للتكوين المعرفي والسلوكي في حياته المستقبلية، وضرورة لإشباع حاجاته المتغيّرة والمتطورة، والاهتمام بالممارسة العملية وجعل التعلم ذا معنى لأن الحصول على المعرفة في هذا العصر بات يسيراً مع وجود التقانة والتكنولوجيا، ولكن ليس من السهل عليه توظيف تلك المعرفة دون ممارسة وتفكير سليم وخيال متجدد خصب.
حصة العلوم دائماً تضج بالعمل الممتع وتزهو بالإنتاج المبدع، فالمعلم المبدع هو مَن يدرّب طلابه على مهارات التفكير الإبداعي، ويجعل التعليم نوعاً من المتعة أكثر من مجرد نقل معلومات تنتهي باختبار ودرجات تخنق نواحي الإبداع لديهم. فاليوم طرائق التدريس والتقويم المتنوعة قادرة بأن تنمي المدارك العقلية والفضاءات الإبداعية، فمعايشة المعلومة العلمية وممارسة التجربة وإطلاق العنان للخيال كفيلة بأن تفجر تلك الطاقات. وفيما يلي بعض الطرائق والأساليب والأدوات التي أثبتت فاعليتها في تنمية التفكير الإبداعي لدى الطلاب.
التعلم المبني على المشكلات: وهنا يعيش الطالب مشكلة واقعية مفتوحة النهاية ويبحث عن المعرفة للإجابة عنها، وهذا يكون قبل عملية اكتسابهم المعلومات اللازمة لحل تلك المشكلة. فعندما يعايش الطلاب بصورة جماعية المشكلة كأنها قصة واقعية، يجعلهم يشعرون بأن ما يتعلموه ذات معنى من خلال الاستقصاءات والأنشطة المخبرية والقراءة فيدعم التغيّرات في التفكير (McPherson,2016).
التعلم المبني على المشاريع: فهذه الاستراتيجية لا تركز على تلقي المعرفة، بل إنتاج المعرفة فهي تهتم بالعمليات والأدوات والنتائج وتستهدف تحقيق التعلم المتمركز حول المتعلم الذي يجعله يخطط لتعلمه، ويبني قاعدة معرفية واسعة وعمقاً أكبر لإدراك المفاهيم، ويُحسِّن مهارات الاتصال والعمل الجماعي ويَتهيّأ المتعلم للحياة خارج أسوار المدرسة حيث يقوم بترجمة ما تعلمه نظرياً إلى واقع ملموس فتزيد دافعيته إلى للإنجاز والتعلم. المشروع خبرة ثرية ومتعمّقة تدمج المتعلم في أنشطة ممتعة بالنسبة له ومرتبطة بالمنهج الدراسي (أمبوسعيدي والبلوشي، 2009).
التصميم الهندسي: ناشدت منظمات التعليم العالمية بالتحول من تعليم العلوم التقليدي إلى تعليمه من خلال التصنيع والابتكار والتي تبدأ بالتصميم والبناء الهندسي لمبتكرات تعتمد على الخبرة المعرفية والمهارات التقنية ومهارات التفكير. "فالهندسة هي تطبيق لحل المشكلة في العلوم، وتصميم للمعرفة بصورة إبداعية". (Li, Huang, Jiang, & Change, 2016). وتشكل هذه العملية فرصة ثرية للمتعلم لممارسة تفكير العلماء وعمل المهندسين والاستدلال بالإخطاء للوصول إلى للحل المناسب. "الممارسة وتطوير واستخدام النماذج، من الممكن أن تكون ميزة جديدة وتغييراً كبيراً بالنسبة لكثير من المعلمين والطلاب"(Blank Snir, & Lundsgaard,2015).
التعلم المبني على الاستقصاء: عرفها (Kim,2016) على أنها استراتيجية تدريس تجعل اتجاهات الطلاب إيجابية نحو العلم على مر الزمن، حيث تسمح لطلاب بطرح الأسئلة وتطوير واستخدام النماذج ثم بناء وإجراء الاستقصاء، تحليل وتفسير البيانات باستخدام الرياضيات والتفكير الحسابي، وأخيراً تقييم وتبادل المعلومات. والاستقصاء من الاستراتيجيات المركزية الموصى بها في معايير تعليم العلوم الوطنية منذ 1996 إلى أن ظهرت معايير العلوم للجيل القادم (NGSS) في 2013، وتم تفصيل الاستقصاء فيها إلى ثماني ممارسات أساسية في العلوم والهندسة التي يستخدمها العلماء عند الاستقصاء وبناء النماذج حول الظواهر الطبيعية Blank Snir, & Lundsgaard,2015)).
استخدام الفن والتكنولوجيا بطريقة إبداعية: في السنوات الأخيرة ناشدت جمعيات التعليم في أمريكا بدمج الفن والتكنولوجيا إلى تدريس العلوم عبر مدخل STEAM (العلوم والتكنولوجيا، والهندسة، الفن والرياضيات)، وجعلها جزءًا لا يتجزأ لعمليات وأنشطة العمل العلمي، فالأطفال الذين يتعلمون العلوم لا بد من تعريضهم للتطبيقات والمهارات الفنية والتكنولوجية في سياق اكتشاف العلوم، فاستخدام التكنولوجيا والفن يفتح آفاقاً جديدة للطلاب تساعدهم على ممارسة مهارات التفكير وتنمية الذكاءات المتعددة لديهم وتزيد من دافعيتهم وتحسن اتجاهاتهم نحو العلوم.
لاحظنا مما سبق أن تدريس العلوم وتعلمه ممكن أن يكون طريقك نحو الإبداع، فكل متعلم لديه روح تضج بالإبداع متى ما توافرت لها البيئة المناسبة المحفّزة على الإبداع، فإن تلك الروح تنمو وتتألق. كلنا يداً واحدة نحو نعم لثقافة الإبداع... لا لثقافة الإيداع.