مخاطر انهيار الدولة الوطنية في عالمنا العربي

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٥/فبراير/٢٠١٧ ٠٤:٠٠ ص
مخاطر انهيار الدولة الوطنية في عالمنا العربي

أحمد المرشد
ثمة مشكلة كبيرة لم ينتبه لها بعض القادة العرب خصوصا في الدول التي تمر بأزمات الربيع العربي، فما تشهده سوريا والعراق واليمن وليبيا، يجب أن ينبهنا إلى أن الدولة الوطنية التي عرفناها خلال المئة عام الفائتة تتعرض لمخاطر الانهيار، وأن نموذج دولة فلسطين المحتلة لن يكون الأوحد بيننا، بل مرشح للتكرار، وأنه على الشعوب العربية أن تنتبه لمخططات القوى الكبرى لمنطقتنا، وعلى الشعوب والقادة ضرورة الانتباه لمخاطر ما نعانيه من تشرذم وانقسام، فانقسام القوى داخل البلد الواحد خطر على مستقبل هذا البلد والعرب أجمعين.

وأمامنا التاريخ الذي يحذرنا بكل وضوح من التفتت، وهذا الحال المؤسف يدفعنا إلى أن ندرك أنه على أبناء أي دولة تحل بها كارثة ما، أن يتناسوا خلافاتهم ليتوحدوا في مواجهة الأزمة. وأمامنا ما مرت به القضية الفلسطينية، زادت تشرذما بسبب تزايد الجماعات السياسية، وتقاتل الأخوة فيما بينهم وتناسوا وجود المحتل، الذي دعم بقوة انقسامهم وتشرذمهم. ولكي نتجنب هذا عربيا، علينا أن تتآلف قلوب الأشقاء ولا ينساقون وراء المخططات الأمريكية والروسية والإيرانية والتركية، خاصة وأن كل هؤلاء لا يخططون لمصلحتنا وإنما لمصلحتهم فقط حتى وإن تباينت مصالحهم، ولكنها تصب فقط في الإضرار بالعرب.

وإذا ضربنا مثلا بما يجري في العراق، فحدث ولا حرج، وأمامنا تصريح رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، أن الحكومة المركزية في بغداد لم تنفذ أيا من التزاماتها الدستورية تجاه الإقليم، مشيرا إلى أنها تتعامل مع الإقليم وكأنه محافظة. المسؤول الكردي تحدث وكأن منطقة الأكراد قد أصبحت دولة داخل دولة، واللغة تحمل تهديدا صريحا بالندية مع بغداد، ناهيك عن اتهامه الحكومة الاتحادية في بغداد بأنها لم تنفذ أيا من التزاماتها الدستورية تجاه الإقليم. ويشير بارزاني إلى أن رؤيته لحل المشكلات مع بغداد تعتمد على "تمهيد أرضية ملائمة للتفاوض والتفاهم وإنجاح الحوار، بهدف معالجة المشكلات والخلافات القائمة بيننا، وعقد اتفاق يصب في صالح الطرفين".

نستدل من لهجة بارزاني العنيفة حيال العاصمة المركزية مدى تشدده في الانفصال مستندا على علاقات خاصة بين الإقليم والولايات المتحدة الأمريكية، فيقول: "الأكراد ينتظرون الكثير من أمريكا، وإن المبادئ التي تسعى من أجلها الولايات المتحدة موجودة في كردستان". والمقصود هنا أن ما تطالب به واشنطن العرب وهو نشر الديمقراطية والشفافية لا يوجد سوى في إقليم كردستان، ومن هنا يستقوي بارزاني بالأمريكان، ويصب لعناته على سياسات بلاده المتبعة حاليا خصوصا في التعامل مع تنظيم "داعش" الإرهابي، ويتهم العاصمة بغداد ويلومها بأنها سبب الأزمة" ما هو موجود الآن ليس مشكلة عسكرية، بل مشكلة سياسية، وفي اعتقادي أن القضاء على داعش عسكريا لا يعني نهايته.. فداعش هو ثمرة السياسة الخاطئة المتبعة في العراق، وإذا استمرت هذه السياسة، سيبقى داعش في العراق ولن يزول.

وقد نرجع للوراء قليلا، وتحديدا خلال فترة الاحتلال الأمريكي للعراق، عندما تعمد الحاكم بول بريمر إضعاف هوية العراق الوطنية وتعميق الانقسام الطائفي وحل الجيش العراقي وملاحقة البعثيين، وهو ما فتح المجال لتنافس كل القوى الدولية والإقليمية على النيل من وحدة العراق، وثرواته وحدوده. وكانت أمريكا سببا في لجوء تنظيم القاعدة إلى العراق لمواجهة الاحتلال الأمريكي، وهو ما تمخض عنه تأسيس تنظيمات داعش وجبهة النصرة وفتح الشام وغيرها من التنظيمات المتطرفة.
ونعلم جميعا أن العراق قبل أن يقع فريسة لتنظيم "داعش"، كان فريسة لعملية التنافس الإقليمي والعالمي التي انطلقت في العراق والمنطقة. ولم تقف المشكلة عند حدود القوى الدولية والإقليمية لتفتيت العراق، لأن أمامنا في الصورة تباين وخلافات القادة العراقيين أنفسهم، حتى داخل الجسد الواحد، فالمواقف متباينة ومتباعدة، ونرى كل طرف مستعدا لبيع بلاده وكأن الوطن -العراق- وطنا لشعب آخر وأطياف أخرى، وكأن أمن العراق واستقلاله لا يهم هؤلاء القادة.

وعندما ننتقل إلى سوريا، فالوضع أكثر مأساوية، كيف؟.. لنا أن نشير إلى مطالب المعارضة السورية من الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، حيث حثته على الوفاء بتعهد إنشاء مناطق آمنة في سوريا، رغم التشكيك في تنفيذ ترامب هذه الخطوة حيث ربما تقود إلى استدراج الولايات المتحدة إلى غمار الحرب، كما أن مثل هذه الخطوة إذا أقدم عليها ترامب سترفع مستوى الصراع مع روسيا التي يبدو أن الرئيس الأمريكي الجديد يخشى مواجهتها ويعمل على استمالة رئيسها فلاديمير بوتين.

ولنا أن ندرك أن إنشاء مناطق آمنة في سوريا سيمثل تحولا كبيرا في السياسة الأمريكية، خاصة في ظل معارضة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الفكرة التي ستتطلب التزاما بالدفاع عن مثل هذه المناطق من هجمات للنظام السوري أو حلفائه، ومن بينهم روسيا.

وفي الحالة السورية لن نعيد ما كتبناه سابقا، خاصة وأن ما يجري يصب في اتجاه ما حذرنا منه في البداية، أي انهيار الدولة الوطنية، واعتماد كل الفصائل السياسية وغيرها على الشق الأجنبي لحل مشكلاته. وإذا كنا رأينا العراقيين يلجأون لأمريكا لنجدة كل طرف ضد الآخر، يلجأ النظام السوري لروسيا وإيران، والمعارضة السورية تهرول وراء أمريكا وتركيا. وما يدلنا أكثر على انهيار الدولة الوطنية في سوريا، أن المكون الكردي في سوريا بات يعول على أمريكا في حل جميع مشاكله، تماما مثل فعل أكراد العراق، وبات أكراد سوريا جزءا محوريا من الإستراتيجية الأمريكية، حيث استفادوا أيضا من سلاح الجو الأمريكي الذي ساعد ميليشيا "وحدات حماية الشعب" الكردية في السيطرة على مساحات في شمال شرقي سوريا. ومع تزايد هذا النفوذ الكردي في شرق سوريا، اندفع الجيش التركي لمساعدة مقاتلي "الجيش السوري الحر" التابع للمعارضة عبر عملية "درع الفرات" في طرد تنظيم "داعش" والميليشيات الكردية المسلحة بعيدا عن الحدود، مما مكن الجيش التركي من إنشاء منطقة آمنة داخل الأراضي السورية تحت سيطرة "درع الفرات" بطول 100 كيلومتر، لتضيع الحدود والجغرافيا السورية.

خطورة ما يجري في سوريا، أن البلاد انقسمت إلى مناطق حظر جوي، ومناطق آمنة، ومناطق محتلة من قبل الجيش التركي، ومناطق تحت سيطرة نظام بشار الأسد، ومناطق تحت سيطرة داعش، وأخرى تحت سيطرة المعارضة المسلحة، لتضيع الحدود والجغرافيا السورية كما أسلفنا.

وعلى مستوى اليمن الذي يشهد حربا ضروسا بين حكومة الشرعية من جهة وقوات الحوثيين وعلي عبدالله صالح من ناحية أخرى، نرى كيف أصبحت الأراضي اليمنية مرتعا للضربات الأمريكية، ففي ضربة واحدة للمقاتلات الأمريكية قبل أيام لأحد مواقع تنظيم القاعدة في اليمن مات أكثر من 100 يمني مقابل مقتل وإصابة 4 جنود أمريكيين. وأصبحت الأراضي اليمنية مرتعا للأمريكيين الذين يبحثون عن قيادات القاعدة، ناهيك عن انتشار العسكريين الإيرانيين الذين يدربون الحوثيين على أعمال القتال.

وعودة لبدايتنا، ربما يتعين على قادتنا وشعوبنا التفكير من الآن وليس غدا في كيفية تجنب ما جرى لفلسطين، فالنكبة الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني على مدى تاريخ احتلاله من قبل إسرائيل، مرشحة للتكرار في أراضي عربية أخرى، وأمامنا ما يجري في العراق وسوريا واليمن.
ويجب الإشارة هنا إلى إعلان رئيس الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه خلال مؤتمر في جامعة جورج واشنطن مؤخرا، أن الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى إلي غير رجعة. وبالإضافة إلى إعلانه هذا، أكد أن دولا مثل العراق وسوريا لن تستعيد أبدا حدودها السابقة، وقد اتفق معه في هذه الرؤية رئيس المخابرات المركزية الأمريكية.

كاتب ومحلل سياسي بحريني
amurshed2030@gmail.com