محمد بن سيف الرحبي www.facebook.com
msrahbyalrahby@gmail.com
خلال ثلاث ساعات في أمسية مسقطية دافئة أقيمت عدة فعاليات فنية وثقافية، مثّلت لي حالة خاصة لا تعرفها مسقط كثيرا. ولأنها حالة استثنائية فإن الإشارة إليها واجبة، حيث التعامل مع الإبداعين الفني والموسيقى مضيّع بما لا يكفي بلدا بهذا العمق الحضاري.. امتدادا في الجغرافيا، وفي التاريخ.
اخترت من الجدول المزحوم ما له علاقة بالموسيقى، بخاصة أن "كلثوميات" لا تقدم في دار الأوبرا إلا بما يليق بهذه الدار، وبالمكانة التي وضعتها كوكب الشرق أم كلثوم على خارطة الغناء العربي، رغم تقادم السنين على رحيلها، لكن الذائقة الموسيقية ما زالت ترتشف من هذا التراث الفني غناء وسماعا، فالصوت يكون أجمل عندما يغني مطرب أو مطربة لأم كثلوم، والأذن تصبح أنقى حينما تتلقى ما يذكرها بصوت لم يتكرر حضوره، كما بقيت الألحان شواهد عصرية تمتع الروح كلما عاد إليها موسيقيو العصر الراهن.
أمسية "كلثوميات" تتكرر على جدول دار الأوبرا كل عام، وربما هي من أنجح الحفلات المقدمة، بما يبرر وضعها ضمن أولويات الدار، لأن الحديث عن غناء أصيل لا يكتمل دون حضور أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب، وعسى أن لا يكون الانحياز قائما فنسمع ليالي طربية بعنوان "فيروزيات" وأخرى من تراث وديع الصافي وصباح فخري.
حضور أم كلثوم طاغ، وأغلب الحضور من الشباب الذين لم يغرهم جيل مطربي اليوم ليحجب عنهم ذلك التراث الفني الهائل، كلمة وصوتا ولحنا.. ثلاثية الإبداع التي تلاقت في زمن ننظر إليه على أنه جميل، ربما لأننا كنا فيه أقل تمزقا ورجفة تجاه مستقبل ليس لنا فيه سوى الأمنيات، وقد كان الماضي يملك مستقبله على الأقل ليحلم به.
حضر فن أم كلثوم، ولم تكن وحدها صانعته، لكنها كانت حاملة الرسالة الأنيقة مهما بدا الألم جارحا فيها، إنما في كل أغنية ثمة أمل، أغدا ألقاك؟.. هذه ليلتي، أنت عمري، أمل حياتي.. كان معها بيرم التونسي وأحمد رامي وأحمد شوقي.. ومعها أيضا محمد عبدالوهاب ومحمد الموجي ورياض السنباطي، ومع الشعراء والملحنين العمالقة أسماء أخرى شهدت "تعملق" الست على مدار سنوات من الإحساس الجميل.
أصوات لم ترحل عندما غادرت دنياها، بينما ماتت أصوات كثيرة قبل أن يموت أصحابها، وقلة ممن ينالون شرف البقاء حتى بعد رحيلهم عشرات السنين..
الصوت الحنون والجميل للسورية شهد برمدا لم يقنعني بملاءمته لأغنيات أم كلثوم ذات الصوت القوي الذي ناسب أكثر المغربية أسماء المنور، وقد تألقت بقدرة عالية قدمت أغاني "الست" بما جعل الجمهور يصفق على كل مقطع.
يكفي أن يغني صوت جميل بواحدة من طربيات أم كلثوم ليطرب الحضور، وكانت شهد برمدا مع أسماء المنوّر في مستوى ما انتظره محبو "الطرب الأصيل" منهما مع فرقة موسيقية أدهشت وأطربت، لأن المعزوفات مكتوبة بمزاج عالي المستوى، فقدناه كثيرا.