الرهان الثلاثي لتيريزا ماي

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٢/فبراير/٢٠١٧ ٠٤:٠٠ ص
الرهان الثلاثي لتيريزا ماي

دومينيك مويسي

مباشرة بعد خطاب رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في قصر لانكستر هاوس، والذي حددت فيه أهداف حكومتها في المفاوضات المقبلة حول انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، أعرب خبير ومعلق سياسي معروف، والذي كان يعمل في مبنى داوننج ستريت رقم 10، عن إعجابه بشكل إيجابي. وقال لي عندما قابلته في نادي في لندن «لا يمكن الحديث عن ‹الخيانة الدبلوماسية› بعد الآن». «لقد كانت تيريزا ماي واضحة وضوح الشمس: بريكست يعني الخروج».

وقد صوت مخاطبي في استفتاء بريكست ليونيو الفائت على البقاء في الاتحاد الأوروبي، لكن مثل معظم البريطانيين، فقد رحب بخطاب ماي. وقال لي قبل التركيز على ثلاث نقاط أساسية إذا كنت تبحث عن صورة لوصف بريطانيا العظمى اليوم، يمكنك القول إنها تشبه «الأسد الشجاع».
بداية، قال: إن النموذج الأوروبي للاندماج يواجه أزمة، كما أثبت الاتحاد الأوروبي أنه غير قادر على إصلاح نفسه. إن الخروج من المجموعة (ليس مثل الفأر الذي يختبئ في سفينة غارقة) الذي كان بأسلوب جيد هو دليل على الواقعية البريطانية.
ثانيا، على الرغم من الصعوبات الواضحة، سيكون الانفصال عن الاتحاد الأوروبي ربما أسهل بكثير من التفاوض على ترتيبات معقدة مع الدول الـ 27 الأعضاء الأخرى، وخاصة إذا كان الجميع يعطي الأولوية للحفاظ على حزب المحافظين البريطاني موحد وقوي.
وثالثا، لا تقبل بريطانيا العظمى الضغط الخارجي والذي يبدو وكأنه تهديد. بعض المراقبين البريطانيين قد يعتبرون ماي مارغريت تاتشر الجديدة، لكن خطابها في قصر لانكستر هاوس يذكرنا أيضا بونستون تشرشل. في الواقع، المواطنون البريطانيون الذين هم على قناعة بأن هناك بدائل لأوروبا كثيرا ما يشيرون إلى العام 1940 «أفضل زمن في إنجلترا».
هذه النبذة عن الموقف البريطاني هي صريحة للغاية. ومن الواضح أن ناخبي «الخروج» يشعرون ببعض الحنين إلى الإمبراطورية البريطانية. ويبدو أن ماي بدورها تقودها السياسة الداخلية لإعطاء الأولوية للسيادة الوطنية على الاقتصاد. لكن في حين أن المملكة المتحدة هي بالتأكيد ديمقراطية، حجتها للشعب البريطاني ليست مخالفة لما يقوله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمواطنيه: لا أحد يعيش بالخبز وحده، واستعادة السيادة والعظمة الوطنية تستحق هذه المخاطرة الاقتصادية.
لكن هل رؤية ماي لبريطانيا واقعية، بالنظر إلى السياق الدولي الجديد؟ هل يمكن للمرء أن يحلم بوجود أثينا جديدة مع وجود روما جديدة يحكمها دونالد ترامب؟ بغض النظر عن عدم ثقتها في أوروبا، ماي لديها القليل من القواسم المشتركة مع الرئيس الجديد للولايات المتحدة: فهي تؤمن بالتجارة الحرة لكنها تشك في روسيا، في حين أن ترامب يدعو إلى الحمائية ويريد إبرام شراكة خاصة مع بوتين.
ماي وترامب شخصيتان مختلفتان بشكل ملحوظ. إن الوديع المتفائل ونجم هوليوود السابق رونالد ريجان وتاتشر المرأة الحديدية كانا متوافقان بشكل جيد للغاية من خلال التعاطف المتبادل والرؤية الإستراتيجية للعالم. لكن مثل هذه العلاقة بين الأمريكي المتقلب نجم التلفزيون-الواقع ورئيسة الوزراء البريطانية المتشددة غير واردة تقريبا.
يمكن للمرء أن يتساءل دائما إن كانت الأمور ستكون مختلفة إذا ما سبقت الانتخابات الأمريكية استفتاء بريكست. هل كان يستطيع الناخبون البريطانيون المخاطرة بقول «لا» لأوروبا بما أن ترامب قد فاز بالفعل؟ ومن المؤكد أن التاريخ لا يمكن إعادة كتابته، لكن العديد من الذين صوتوا للبقاء في الاتحاد الأوروبي قلقون الآن لأن ماي قد استسلمت للتفكير الحالم نحو المستقبل. بطبيعة الحال، لا يساعدنا وصف خطة ماي للخروج بأنها «صعبة» أو «ضعيفة»، لأن الخيار الأخير، من الواضح الآن، أنه لم يكن ممكنا. لكن يبدو أن خطاب ماي كان يهدف منذ البداية إلى القضاء على أي غموض متبقي حول هدف المملكة المتحدة في العملية المقبلة.
يبدو أن ماي تفترض أن رابطة الأمم والهيئات الاقتصادية المتعددة الأطراف الأخرى يمكن أن تكون بديلا للاتحاد الأوروبي، وأن ترامب، مثل وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، سيكون في النهاية رجل دولة منطقي رغم كونه ببساطة لا يستطيع السيطرة على كلماته. فقد اتهمت العولمة بسبب عواقبها الاجتماعية القاسية، لكن المملكة المتحدة التي لم تعد في الاتحاد الأوروبي سيكون عليها الاعتماد بشكل كبير على التبادل مع البلدان الأخرى. وفي الوقت نفسه، فإن تصاعد الشعوبية والمخاطر الجيوسياسية التي تشكلها رئاسة ترامب لن تكون مجرد هوامش تاريخية، بل يمكن أن تمثل نهاية العولمة كما نعرفها.

مستشار أول في معهد مونتين في باريس