موسى البلوشي
في كثير من الدول يعتبر إتاحة المعلومات وتوفيرها من الشروط الأساسية لجعل التنمية قضية وطنية مشتركة، كما أنها تحلل الواقع على بساط من الشفافية والموضوعية، وتطرق جرس الإنذار بضرورة وضع آليات تقييم واضحة للخطط والسياسات، كما أنها تخضع المسؤولين للمساءلة.
هذه الدول تنشط فيها مراكز أبحاث ومنظمات ومراكز متخصصة تنهض بالعلم والمعرفة والإنسان عبر تقييم المؤسسات ورصد التجارب وقصص النجاح والفشل لتقدم الخلاصة على هيئة تقارير تستقبلها المؤسسات لتقيم مسيرتها وتعيد حساباتها وتطوّر من استراتيجياتها.
في وطننا العربي قد لا تمر هذه التقارير والمؤشرات بسلام، وأول السهام ستوجه من خلال الإعلام الاجتماعي للمؤسسات المسؤولة عن وضع اسم الدولة في ترتيب متأخر في القائمة، وتظهر أصوات تدعو لتجاهل هذه التقارير وتربط بين نتائجها ومواقف سياسية أو اقتصادية لخلط الأوراق، وتتناسى هذه الأصوات أن هذا التقارير من منظمات لدولتهم فيها مقعد وعضوية، وقد تكون مبنية في معظم الأحيان على تقارير وإحصائيات محلية حتى وإن كانت تلامس الواقع بل وتنقله بدقة!
إن استغلال الطاقات البشرية في مجالات البحوث الاستراتيجية وتفعيل المراصد الاجتماعية وتوسيع دائرة الحوار وإحياء مؤسسات المجتمع المدني وإشراكها في رصد وتحليل الأوضاع القائمة وصنع القرارات هي الوصفة الناجحة لصناعة تقارير وأوراق عمل وسياسات وطنية ورفعها إلى مراكز صناعة القرار حتى لا نحتاج إلى أعمدة ومقالات ومواقف هي نتاج أوهام سجلت في لحظات تسطع فيها لغة العاطفة وتغيّب فيها لغة الحكمة والعقل، مع عدم تبرئة ساحة منظمات تزدهر بالمعونات وتصنع قوائمها وفقا لاعتبارات العلاقات والدعم الذي يقدم لها.
ولعلنا نستذكر من التاريخ التقرير الشهير "أمة في خطر" الذي أصدرته الولايات المتحدة الأمريكية ليكون بمثابة جرس الإنذار لتأخر التعليم فيها، فهذا التقرير أعدته لجنة مكونة من 18 عضوًا يمثلون الحكومة والقطاع الخاص والتربويين في أمريكا معززة مبدأ الشراكة بين مكونات المجتمع.
أخيرا هناك حلقة مفقودة تتمثل في غياب التعاون والتنسيق مع المنظمات العالمية والمراكز البحثية وتقديم المعلومات لها، واستضافتها لتوضيح معاييرها في تقييم وتصنيف المجالات التي تعنى بها، كما نلحظ غياب صناعة التأثير في المجتمع وتثقيفه وتوعيته من خلال توفير مواد تخاطب الجمهور غير المتخصص واستغلال وسائل الإعلام الاجتماعي حول أبرز هذه التقارير والتصنيفات في جميع المجالات.