الموظف «العيّار»..

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠١/فبراير/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
الموظف «العيّار»..

لميس ضيف
lameesdhaif@gmail.com

عملت لعام في مؤسسة بحثية ولم يكن الحضور والانصراف- فيها- مُلزماً بوقت محدد لسنوات حتى اكتشفت الإدارة أن أحد موظفيها متوفى من شهر ونيف وهم آخر مَن يعلم!

كانت صدمةً أثارت السخرية والذعر في آن. فمسؤوله المباشر في إجازة ومَن معه ظنوا أنه مُجاز أيضاً. فتح ذلك الباب للتدقيق على التزام الموظفين بالعمل وأوقاته. واستيقظت المؤسسة على صفعة أن البعض يداوم لساعتين ويخرج ويعود ولا يشعر به أحد!
وضعت المؤسسة دفتراً عند المدخل ليسجل كل موظف موعد حضوره وانصرافه فتلاعب الموظفون بالوقت! خصصت موظف استقبال ليراقب الدفتر فبات «يتعاون» مع بعض الموظفين ويساهم في التزوير أيضاً! وضعوا جهازاً يرصد الدخول والخروج ببطاقة، فأربك الأمر الموظفين في البداية ولكنهم سرعان ما وجود طريقة للاحتيال عليه. فعمال الكافتيريا يخرجون ويدخلون طول النهار ببطاقاتهم وكان الموظف الراغب في التسرب يخرج مع عامل الكافتيريا على أن يقوم زميله في نهاية الدوام بتمرير بطاقته وتسجيل الخروج رسمياً! كان هذا في عام الفيل. منذ زمن بعيد أعني. والآن هناك أجهزة بالبصمة لا أشك أن المتسيبين وجدوا طريقة للاحتيال عليها هي الأخرى.
مؤخراً خرج تعميم يحمل رقم 1/‏ 2017 من مجلس الخدمة المدنية ليحمل توجيهات للمسؤولين «باتخاذ الإجراءات الكفيلة بمتابعة التزام الموظفين بأوقات الدوام الرسمية» وذلك بعد أن تبدّى للمجلس وجود تسيب في بعض الوحدات الحكومية. وهو تسيب قديم/ ‏جديد لكن الماء زاد عن الطحين على ما يبدو. والحق أن الضمير في العمل لا تحكمه بطاقة، ولا تحييه لوائح. وقريباً يأتي شهر رمضان لنرى العجب العجاب. فبعض الموظفين يؤثرون التهجد والعبادة وختم القرآن في ساعات الدوام ليتركوا باقي ساعات اليوم مفتوحة لحياتهم الاجتماعية ويظنون أنهم بذلك ينالون الأجر والثواب! إنه مزيج من الجهل والاستهتار- لا نعممه بالتأكيد- ولكن تسيب هؤلاء كفيل بتدمير عمل إدارة بأسرها.
بعض الموظفين يتذرعون بإحباطهم ويتساءلون: كيف يُنتج الموظف ويقدّم أفضل ما عنده إن كانت ترقياته متأخرة وحوافزه معطلة؟! ورغم أننا نتفهم كلياً مشاعر الموظفين إلا أن المراجع لا ذنب له. وعلى الموظف «التعيس» في عمله، الذي يشعر أنه مغبون ومظلوم ومكلوم أن يبحث عن وظيفة أخرى ويترك موقعه هذا لغيره، ممن يقدر- ويُقدِّر- المسؤولية.
تعميم مجلس الخدمة المدنية جاء في وقته إجمالاً؛ ويجب أن يتبعه تعميم آخر يُلزم كل موظف بتقرير أسبوعي أو شهري بحجم المهمات والمعاملات التي أنجزها. فالدوام بلا إنتاجية أسوأ- في تقديري- من التفريط في ساعات الدوام. لذا يجب تطبيق مبدأ الثواب والعقاب على موظفي الدولة كافة. فالترقيات مرهونة بحجم الإنجاز. والحوافز متعلقة بكم الاجتهاد والتفاني في العمل.
أما ما نحن بحاجة له حقاً فهو تعزيز الرقابة الذاتية. فتجربتي التي عرضتها عليكم في مستهل المقال تقول: إنك لن تستطيع لجم موظف يريد أن يحتال على واجباته. فهناك دوماً طرق للالتفاف على القواعد أياً كانت صارمة. إن على الموظف أن يعي أنه- وأياً كانت مشاعره تجاه عمله- مُلزم أخلاقياً وشرعياً بأداء واجباته تجاه الوطن وعموم الناس. ولنتذكر دوماً الآية التي تقول (إن الله كان عليكم رقيبا)، لنعرف أن الرقابة على أعمالنا أعلى بكثير مما نخال.