لهذا يتصيد البعض عليك أخطاءك..

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٣٠/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
لهذا يتصيد البعض عليك أخطاءك..

لميس ضيف
lameesdhaif@gmail.com

كتب المعلم عشر معادلات على سبورته وقبل أن ينتهي سمع همسات وضحك الطلبة، فلما سألهم عن السبب قالوا له بأصوات متداخلة إن المعادلة الأولى كانت خاطئة.. «أعرف.. إنه درسي لكم -قال لهم الأستاذ- لقد كتبت تسع معادلات صحيحة، ولكن أحدا منكم لم يشر لها أو يهنئني عليها ولكني أخطأت في معادلة واحدة فركزتم عليها جميعا وهكذا سيكون حالكم في هذه الحياة، فبعض الناس لن يهمهم أن تعمل الصواب ألف مرة ولكن سهامهم ستصيبك من أجل خطأ واحد».

هذا درس بليغ واقعاً، حقيقي جداً، يلحظ ما نعيشه يومياً، فأغلب الناس يتصيدون الأخطاء، ويضخمونها، ويطلقون لخيالهم العنان أحيانا فيخرجون بأبعاد واسعة لموقف عابر أو يحملون كلاما -قيل أو كُتب- ما لا يحمله!

ويعطي الناس أنفسهم «صلاحيات» جمة، منها قراءة ما في ضمير المرء وإن لم يُصرح به فعليا، وهذا بالذات فعل يُحدث الوقيعة والفتنة ويشق الصفوف بشكل تعجز عنه الأفعال أحياناً!
أما لماذا تحولت الغالبية لصيادين متعطشين للظفر بزلات الغير وتضخيمها فلذلك تفسيران: أولهما على الأرجح كم الأمراض النفسية التي يُعاني منها الناس في هذه البقعة من العالم، كم غير مسبوق ورثنا بعضه و«طورنا» بعضه بأنفسنا، لا عجب معه أن القرآن الذي نزل ليكون لنا معجزةً ونوراً ركز في ثلثه على الأخلاق والمعاملات بين الناس، فيما لم تتعد الآيات التي تحدثت عن العبادات الـ110 آيات من بين 6236 آية!
إنها وسيلة الكتاب الكريم لإعادة تربية المجتمع الجاهلي المحمل بالعنصرية والعنجهية والانغماس في حب الذات، ونحن اليوم سلالة تلك الأجيال ونحمل على أكتافنا إرث عيوبها مع عيوب إضافية شكلناها عبر سنوات من الإحباط والفشل والهزيمة الفعلية والنفسية.
أما التفسير الثاني فيختزله مثل ياباني بليغ يقول «إن كنت عاجزا عن رفع بنائك فأبدأ بهدم مباني الآخرين» ويرمز إلى أن الفاشلين يعمدون إلى تثبيط وتحطيم غيرهم بُغية إعلاء شأنهم أو التخفيف من وطأة فشلهم، فالوصول للقمة يتطلب عملاً وجهداً ، أما إسقاط غيرك من القمة فيحتاج للخبث والدهاء وفرصة تستغلها ضد هذا الخصم.
يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «خذ أخاك على سبعين محمل من الخير».
وكان من خلقه أن يأخذ من الناس الظاهر ويترك لله السرائر، فأين نحن من كل ذلك اليوم في عصر يحمل الواحد فيه مجهراً ليبحث في سفاسف أخطاء غيره عله يجد ما يصلح ليضخمه ويستغله ضده.
إننا لا نستطيع منع أحد من أن يُمارس خبثه ولكننا نستطيع أن نمنع أنفسنا من التأثر بهؤلاء المثبطين والمتصيدين، فمن حق المرء أن يخطئ ليتعلم ومن حقه أيضا أن يرمي بآراء الناس وراء ظهره، إن ثبُت لديه تحاملهم أو تضخيمهم لأخطائه.