هل تتعطل آلة الرعاية الصحية؟

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٣٠/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص

سبنسر نام

بالرغم من كل الآلات الذكية التي تتولى تشغيل أنظمة التصنيع المعقدة وتحل على نحو متزايد محل البشر في المصانع، فإنها لم تحقق نجاحات كبيرة في مجال الرعاية الصحية. لا تزال الآلات الأكثر تقدماً في هذا القطاع، من أدوات التصوير الفائقة الدقة إلى الروبوتات الجراحية، خاضعة لسيطرة البشر بالكامل.

ولكن مع اكتساب الروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي المزيد من التقدم والتطور، فهل يمكن الاستغناء عن الأطباء والممرضين ذات يوم، واللجوء إلى جهاز كمبيوتر للحصول على المشورة الطبية؟ الإجابة ببساطة هي: ليس خلال وقت قريب، فمن المؤكد أن العاملين في مجال الرعاية الصحية سيعتمدون بشكل متزايد على الآلات، ولكن التكنولوجيا ستدعم وتعزز من قدراتهم ولكنها لن تحل محلهم، وسيظل للأطباء القرار والسلطة في الممارسات الطبية. في كتابه الصادر في العام 2009 بعنوان «وصفة المبدِع»، حَدَّد كلايتون كريستنسن من كلية إدارة الأعمال في جامعة هارفارد مجموعة من الممارسات الطبية التي تتراوح بين «الحدس» و«الدقة». يتمثل «الحدس» في تفسير طبيب ما أعراض أحد المرضى لكي يصل إلى التشخيص ويصف العلاج، والذي تكون فعاليته غير مؤكدة غالباً. أما الطب القائم على «الدقة» -الذي لا ينبغي لنا أن نخلط بينه وبين الطب الشخصي- فهو عملية قائمة على القواعد، حيث يجري بموجبها تطبيق علاجات قياسية يمكن التنبؤ بنتائجها على حالات صحية معروفة.
يرى كريستنسن أن أغلب الطب الذي يُمارَس اليوم يعتمد على «الحدس»، وأن عدداً قليلاً فقط من الأمراض، الناتجة عن عدوى في المقام الأول، يمكن علاجها باستخدام الطب الدقيق.
ويشكل التواصل مع المرضى تحدياً لأعظم الآلات، خاصة في مجال شرح الفوارق الدقيقة والعديدة لأشكال مرض غامض مثل السرطان، على سبيل المثال، والتي تتطلب توفر الذكاء العاطفي والقدرة على بناء الثقة مع المرضى من أجل تقييم حالة المريض بدقة. ويتعيّن على الأطباء أن يُظهِروا أيضاً التواضع الثقافي، بحيث يصبح بوسعهم أن يضعوا في الاعتبار الخلفية الاجتماعية للمريض عند تقديم الرعاية له. وقد لا تتمكن الآلات في المستقبل المنظور من محاكاة البشر في مساعدة المرضى المصابين بأمراض مزمنة والذين لا يزال تشخيص مرضهم غير مؤكد.
ولكن على الرغم من القيود التي تحد من قدرة الآلات الذكية، إلا أنها ستستمر في القيام بدور أكبر في مجال الرعاية الصحية.
ولكن مرة أخرى، إلى أن يتجاوز نطاق الطب الدقيق نطاق الطب الحدسي، سيستمر العاملون في مهنة الرعاية الصحية في اتخاذ القرارات الطبية وتفسير البيانات. ما هي إذاً احتمالات حدوث مثل هذا التحول قريباً؟
حتى منتصف القرن التاسع عشر، كانت الأمراض الناجمة عن عدوى بكتيرية أو فيروسية تُعالَج بواسطة الطب الحدسي، لأن أحداً لم يكن آنذاك نجح في عزل السبب وراء الأعراض التي يشكو منها المرضى. ثم وضع لويس باستير وغيره من العلماء النظرية الجرثومية، وتطورت المجاهر، وبدأ العلماء يحددون أحجام وأشكال الميكروبات. وعلى مدار القرن الفائت، تحسن فهمنا العلمي للجراثيم بدرجة كبيرة إلى الحد الذي بات من الممكن معه الآن تشخيص وعزل كل بكتيريا أو فيروس بسرعة. وبهذا تمكن العاملون في مهنة الرعاية الصحية من التحول من ممارسة الطب الحدسي إلى ممارسة الطب الدقيق .
ذات يوم، عندما نكتسب مستوىً مماثلاً من الفهم للكيمياء الحيوية وعلم وظائف الأعضاء في الجسم البشري، سيصبح بوسعنا تطبيق الطب الدقيق على كل فئات الأمراض. وسنتمكن من تحديد السبب وراء كل مرض ونشخصه بدقة، وستعمل الآلات بقدر أكبر من الاستقلالية، في إطار بيئة قياسية، لتقديم العلاج الدقيق الذي يحتاج إليه كل مريض.
وتماماً كما أرست العمليات القائمة على القواعد الأساس لظهور السيارات الذاتية القيادة، فسيعمل الطب الدقيق بشكل مضطرد على زيادة أهمية الآلات الخارقة التي تعمل بشكل مستقل في مجال الرعاية الصحية. الآن يبدو وصف المضادات الحيوية لعلاج العدوى ممارسة روتينية بالفعل. وفي نهاية المطاف، سيتمتع المرضى بنفس الثقة في الآلات لتقديم الرعاية لهم، ومع تحسن فهمنا للأمراض، يصبح التفاعل الشخصي من قبل الطبيب مع المريض أقل ضرورة.
لا ينبغي لنا أن نتوقع أن تحل الآلات محل العاملين في مهنة الرعاية الصحية لبعض الوقت، ولكن إدخال التكنولوجيات الجديدة على المشهد المتطور لهذا القطاع سيستمر، وينبغي لنا أن نرحب بها. وستصبح الرعاية الصحية أكثر بساطة وأقل تكلفة وأسهل توفراً مع ممارسة المزيد من الطب الدقيق وتقليل الاعتماد على الطب الحدسي.

كبير زملاء البحوث لدى معهد كلايتون كريستنسن