«ميد تركس» والرعاية الصحية المتنقلة بالمغرب

بلادنا الأحد ٢٩/يناير/٢٠١٧ ٢٣:٥٢ م

قبل ثلاث سنوات، كان أنس الهلال متوجهًا لزيارة عائلته في المغرب، فيما بدا وكأنها رحلة روتينية بالقطار. ولم يكن يتوقع أن رحلته هذه ستغير مجرى حياته وحياة الكثيرين غيره. أنــس هو مبتكر فكرة نظام الرعاية الصحية المتنقل الذي ولد بعد رحلته الشـــهيرة في القطار، حيث يقول: «كنت في محطة القطار عندما فقدت سيدة مسنة الوعي أمامي. كانت تعاني من فشل كلوي، ولم تتمكن من الذهـــاب إلى مركز غســـيل الكلى في الوقت المحدد».

ويصف أنس فكرته الوليدة «ميد تركس» أو الشاحنات الطبية بأنها «أوبر للرعاية الصحية»، التي تجري تجربتها لدى الحكومتين المغربية والفرنسية، مع وجود خطط للتوسع فيها لتغطي مختلف أنحاء أفريقيا. وتعتمد الشركة التقنية نظامًا يستند إلى تطبيق لإرسال شاحنات غسيل الكلى المجهزة بالكامل إلى المناطق النائية.
وقد أوضح أنس بأن النمط الذي تعتمده السيارات يشبه إلى حد كبيرة نظام أوبر، إذ أن شاحنات «ميد تركس» قادرة على تحديد الطلبات المحلية لخدمات غسيل الكلى والوصول بخدمة الرعاية الصحية اللازمة في الوقت المناسب إلى المكان المناسب.
وفي هذا الصدد يقول أنس: «نعمل على ربط المرضى بمقدمي خدمات الرعاية الصحية، حيث نزود مقدمي خدمات الرعاية الصحية بالشــاحنات الطبية اللازمة، علمًا بأننا نتشــارك رســوم كل جلسة غسيل كلى تقدم من خلال منصتنا، وعادةً ما يكون ذلك بواقع 80 في المئة إلى مقدم خدمات الرعاية الصحية و20 في المئة إلى شركتنا. ويدفع لنا مقدم خدمات الرعاية الصحية مقابل كل جلسة غسيل كلى».
وتتزايد أعباء الفشل الكلوي النهائي في مختلف أنحاء العالم، الأمر الذي يعود إلى زيادة انتشار عاملين رئيسين من عوامل الخطورة، هما مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يعد الفشل الكلوي مرضًا مزمنًا يعاني منه 250 مليون شخص حول العالم، ويخضع حوالي مليوني شخص لعمليات غسيل الكلى، كما يلقى 1.2 مليون حالة منيتهم سنويًا قبل الأوان بسبب العجز عن الوصول إلى خدمات غسيل الكلى.
وتعمل شركة «ميد تركس» حاليًا من خلال تحديد مواقع المرضى باستخدام البيانات الحكومية وإدراج الإحصائيات في التطبيق لتحديد مواقع الحالات التي تحتاج إلى غسيل الكلى. وفي الدول التي لا تتوفر فيها معلومات حكومية، تسعى الشركة إلى توزيع هواتف ذكية تضم نظام تحديد المواقع الجغرافية على المنظمات المحلية بهدف جمع البيانات. ويوضح أنس ذلك قائلاً: «لقد تمكنا حتى الآن من تحديد مواقع المرضى على ثلث مساحة المغرب».
وتعمل الشركة كذلك على تطوير خدمات مثل رسم الخرائط والتتبع بصورة فورية لتحسين إيصال خدمات الرعاية إلى المرضى، كما تعمل على تطوير منصة إلكترونية للتدريب الطبي من أجل المتخصصين في تقديم خدمات الرعاية الطبية.
وأشار أنس إلى أن شريحة عملائه الرئيسية تضم هيئات الصحة العامة، إلا أنها قد تتسع مع مرور الوقت لتشمل مقدمي خدمات الرعاية الصحية من القطاع الخاص.
وتستطيع شركة «ميد تركس» حاليًا منح منظمات الرعاية الصحية خيار شراء شاحنة طبية تضم ستة مقاعد للمرضى، بالإضافة إلى إمكانية الوصول إلى التطبيق التقني من أجل تحسين انتشار الشاحنات. وقد صرح هلال قائلاً: «الهدف الأول هو تحديد مواقع المرضى ومدى بعد المسافة عنهم وتحديد أعدادهم ومدى بعدهم عن المركز. وتتيح لنا أداة رسم الخرائط التي نستخدمها إمكانية اكتشاف مواقع المرضى بصورة فورية».
وتعمل الشركة حالياً على تشغيل أكبر مشروع تجريبي لها في المغرب، والذي يضم شاحنات تتضمن وحدات غسيل كلى ثلاثية وستة كراسي، وهو ما يتيح إمكانية علاج 36 مريضًا في شاحنة واحدة يومياً.
وعلق أنس على ذلك قائلاً: «نأمل أن نتمكن من نشر المشروع في جميع أنحاء أفريقيا. ونظراً لكوننا وحدة متنقلة، ليست لدينا أي حدود ويمكننا الذهاب إلى أي منطقة بسهولة. فهذه هو أهم مزايا الوحدة المتنقلة».

الأمراض المزمنة

صرح مؤسس شركة «ميد تركس» أنه يخطط خلال السنوات المقبلة إلى المساعدة في تلبية الطلب العالمي فيما يتعلق بعلاج نطاق أوسع من الأمراض المزمنة، كمرض السكري على سبيل المثال. فوفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تسهم عوامل مثل تقدم عمر سكان العالم والتغيرات في السلوكيات المجتمعية في زيادة الأمراض المزمنة غير المعدية.
وأشارت شركة «برايس ووترهاوس كوبرز» في تقرير أصدرته مؤخرًا تحت عنوان «الاتجاهات الناشئة في مجال الرعاية الصحية» إلى «صعوبة استهداف الأسواق الناشئة، حيث من المتوقع أن يكون النمو السكاني أكبر بصورة ملموسة في الدول النامية. وقد بات الطلب المتزايد على أنظمة الرعاية الصحية كنتيجة لارتفاع معدلات الأمراض المزمنة مصدر قلق رئيسي».
وأوضح التقرير أن ظهور نماذج جديدة لتقديم الخدمات، مثل «ميد تركس»، من أجل تلبية الطلب المتزايد على رعاية المرضى أصحاب الأمراض المزمنة. وتلعب التقنيات دورًا رئيسيًا في هذا الإطار، إذ ستؤدي التطورات في الكشف عن الأمراض والتشخيص الدقيق لها إلى الحد من تكلفة علاج الحالات المزمنة. وستسهم أعداد المنضمين الجدد إلى سوق الرعاية الصحية في توسعة وإعادة تشكيل المنظومة بشكل فعال.
وأشار أنس إلى أن الشاحنات الطبية تعد ملائمة لعلاج الأمراض المزمنة لأنها تتيح إمكانية علاج المريض وفقًا لجدول زمني محدد. وفي هذا الصدد، يقول: «من السهل إدارة الأمراض المزمنة ضمن أبعاد محددة، ويمكننا تقديم العلاج إما مرة أسبوعيًا أو مرتين أسبوعيًا أو مرة شهرياً. كما يمكننا، من خلال نظام تحديد المواقع الجغرافية الذي نســتخدمه، إدارة الطلبات بسهولة. وسيكون المصابون بالأمراض المزمــنة هم المســـتفيد الأكبر من خدمات «ميد تركس».
ويواجه فريق أنس الهلال الذي يضم ثلاثة أشخاص ضغوطات عديدة لتعزيز الأعمال التجارية والعمل في عدة قارات خلال السنوات المقبلة، إلا أن رائد الأعمال أعرب بأن طموحه العالي مدفوع بسعيه إلى إنقاذ حياة المرضى من خلال التقنيات المجتمعية، ويقول: «من خلال توفير خدمات رعاية صحية قريبة من المرضى، نسهم في تحسين حياتهم اليومية، كما نساعدهم في توفير أوقات السفر، التي قد تصل في كثير من الأحيان إلى ست ساعات. فكلما قل سفرهم، تحسنت صحتهم وأصبحوا أقل قلقًا من فكرة إنفاق نصف رواتبهم على السفر بالقطار».